تقاريرمصر

مشروع الضبعة النووي: 28.75 مليار دولار تهدد 20 مليون مصري بكارثة إشعاعية

تحت ضوء التطورات العمرانية الضخمة التي تشهدها مصر اليوم، وفي الوقت الذي يتحدث فيه رئيس الوزراء عن مشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي، الذي يمتد على مسافة 500 كيلومتر غرب الإسكندرية،

بما يستوعب 33 مليون نسمة عبر بناء مدن جديدة وأراضٍ زراعية شاسعة، ما زال هناك إصرار من الجهات المعنية على إقامة مشروع “محطة الضبعة النووية”، رغم أن هذا المشروع يثير العديد من التساؤلات حول جدواه الاقتصادية والمخاطر البيئية المرتبطة به.

بين الحلم النووي والكابوس المحتمل

تروج الحكومة المصرية لفكرة بناء خمسة إلى ثمانية مفاعلات نووية في موقع الضبعة بغرض إنتاج الكهرباء. ورغم تقديمهم المشروع كحل مستدام لتلبية احتياجات مصر المتزايدة من الطاقة، إلا أن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: هل هذا الموقع هو الأنسب حقاً؟

وهل يستحق المشروع المخاطر المحتملة، خصوصاً في ظل التجارب الكارثية مثل كارثة تشرنوبل في أوكرانيا وفوكوشيما في اليابان؟

كارثة تشيرنوبل، التي وقعت في عام 1986، لم تؤثر فقط على أوكرانيا، بل وصلت آثارها إلى دول تبعد آلاف الكيلومترات مثل بيلاروسيا وفرنسا وبلجيكا. على سبيل المثال، أصيب حوالي 900,000 شخص في بيلاروسيا بالسرطان بسبب الإشعاعات النووية.

إذا ما قسنا هذا التأثير على مصر، فإن انفجاراً محتملاً لأحد المفاعلات في الضبعة قد يعرض القاهرة والجيزة، اللتين تبعدان 300 كيلومتر عن الموقع، لخطر الغبار النووي والإشعاعات الضارة، مما قد يهدد حياة 20 مليون شخص.

الأمان النووي: بين الوعود والحقائق

تروج الحكومة لفكرة أن المفاعلات ستكون آمنة بنسبة 100%، مشيرة إلى أن المفاعلات ستتوقف أوتوماتيكياً في حالة حدوث خلل.

ولكن هذه الادعاءات تبدو وكأنها استهانة بعقول المصريين، فكيف يمكن ضمان الأمان الكامل لمفاعل نووي في ظل التجارب السابقة مثل تشيرنوبل وفوكوشيما؟

تلك الكوارث التي شهدها العالم أثبتت أن الأمان النووي ليس مضمونا بالكامل، وأن أي خلل بسيط قد يؤدي إلى كارثة بيئية تهدد حياة الملايين.

كارثة أنشاص: درس لم يُستفد منه

تعتبر محطة أنشاص النووية مثالاً حياً على الإهمال والفساد الذي قد يحيط بالمشاريع النووية في مصر. محطة أنشاص تتكون من مفاعلين، أحدهما حصلت عليه مصر من الاتحاد السوفيتي في الستينيات بقدرة 2 ميجاوات،

والآخر بقدرة 22 ميجاوات من الأرجنتين. ورغم مرور عقود على تشغيل هذه المحطة، فإن مفاعل أنشاص 1 بات معطلاً بسبب الإهمال وعدم تطويره.

لقد شهدت محطة أنشاص حادثة خطيرة كانت قد تؤدي إلى كارثة تسرب إشعاعي، حيث انفجرت إحدى الطلمبات المسؤولة عن تزويد المفاعل بالمياه، وهو ما كان سيؤدي إلى كشف قلب المفاعل المحتوي على المادة المشعة.

لم يُحاسب أحد على هذا الخطأ، رغم خطورته البالغة، وهو ما يثير الشكوك حول جاهزية مصر للتعامل مع مشروع نووي ضخم مثل محطة الضبعة.

تجارب الدول الأخرى: هل نتعلم منها؟

في ظل الحوادث النووية التي شهدها العالم، اتجهت العديد من الدول إلى إغلاق مفاعلاتها النووية والتركيز على مصادر الطاقة المتجددة.

على سبيل المثال، قررت ألمانيا إغلاق سبعة مفاعلات نووية في عام 2022 بعد كارثة فوكوشيما، كما أعلنت بلجيكا عن خطط للتخلص من منشآتها النووية بحلول عام 2015. حتى فرنسا، التي تعتمد بنسبة كبيرة على الطاقة النووية، وضعت معايير صارمة للأمان النووي في محاولة للحد من المخاطر.

وفي المقابل، يبدو أن مصر تتجاهل هذه التجارب وتسير في طريق محفوف بالمخاطر، خاصة أن الخبرات الفنية المصرية في المجال النووي لا تزال محدودة، إذ أقر نائب رئيس “هيئة محطات الطاقة النووية” بأن مصر لا تمتلك العدد الكافي من الخبراء لتشغيل المحطة الجديدة وإدارتها، مما يعني أن البلاد ستظل تعتمد على الخبرة الروسية في تشغيل المحطة لسنوات عديدة.

التكاليف الباهظة والمقارنات الاقتصادية

تكلفة مشروع محطة الضبعة النووية تُقدر بحوالي 28.75 مليار دولار، ستمول روسيا 85% من هذه التكلفة عبر قرض حكومي، بينما ستتكفل مصر بتمويل الـ 15% المتبقية. القرض سيُستخدم على مدار 13 عاماً، بفائدة تبلغ 3% سنوياً.

ورغم أن هذه الشروط قد تبدو مواتية ظاهرياً، إلا أن مقارنة هذا المشروع بصفقات الطاقة الأخرى التي أبرمتها مصر في السنوات الأخيرة تكشف عن حجم الهدر الكبير للأموال.

على سبيل المثال، وقعت مصر صفقة بقيمة 9 مليارات دولار مع شركة “سيمنز” الألمانية لبناء محطات توليد الطاقة من الغاز والرياح، والتي ستضيف 16,400 ميجاوات للشبكة الكهربائية المصرية.

بمعنى آخر، ستحقق هذه الصفقة ما يفوق إنتاج المحطة النووية بثلاثة أضعاف مقابل تكلفة تقدر بثلث تكلفة المحطة النووية. فهل من المنطقي الاستمرار في مشروع بهذا الحجم وهذه التكلفة في ظل وجود بدائل أكثر كفاءة وأقل تكلفة؟

النفط والغاز: موارد بديلة أكثر فعالية

إلى جانب الاتفاقيات مع “سيمنز”، تمتلك مصر مصادر طبيعية للطاقة يمكن استغلالها بكفاءة أكبر من المشروع النووي.

في عام 2015، اكتشفت شركة “إيني” الإيطالية حقل غاز ضخم على طول الساحل الشمالي لمصر، والذي يُعرف بحقل “ظهر”. هذا الاكتشاف قد يلبي جزءاً كبيراً من احتياجات مصر المستقبلية من الغاز الطبيعي.

ورغم أن البلاد تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، حيث يتم توليد حوالي ثلاثة أرباع كهرباء مصر منه، فإن استغلال هذه الموارد الطبيعية سيكون أكثر فعالية وأقل تكلفة من بناء محطة نووية. حتى في ظل احتمال استمرار مصر في استيراد الغاز، يظل هذا الخيار أكثر اقتصادية مقارنة بالمشروع النووي.

المقارنات الإقليمية

إذا قارنا تكلفة المشروع النووي المصري بمشاريع مماثلة في المنطقة، يتضح أن مصر ستدفع ثمناً باهظاً دون مبرر واضح. وفقاً لتقرير “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط”، ستدفع مصر 6.1 مليار دولار مقابل كل جيجاوات من الطاقة المولدة، بينما تكلف المفاعلات النووية في إيران والإمارات أقل بكثير.

فتكلفة المحطتين الإيرانيتين الجديدتين في “بوشهر” تقدر بـ 5.5 مليار دولار لكل جيجاوات، بينما تبلغ تكلفة مفاعلات الإمارات في “البركة” 3.6 مليار دولار لكل جيجاوات.

هل يستحق المشروع النووي هذه المخاطر؟

في النهاية، يجب على الحكومة المصرية إعادة النظر في مشروع محطة الضبعة النووية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. فالاعتماد على الطاقة النووية ليس الخيار الأمثل، خاصة مع توفر بدائل أكثر فعالية وأقل تكلفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والغاز الطبيعي.

إضافة إلى ذلك، يجب أن نتعلم من التجارب الدولية التي أثبتت أن المشاريع النووية، رغم وعودها بمستقبل أفضل، قد تتحول في أي لحظة إلى كوارث بيئية تهدد حياة الملايين.

في ضوء كل هذه المعطيات، يبدو أن مشروع الضبعة النووي ليس سوى كابوس مكلف قد ينتهي باغتيال الساحل الشمالي، وترك مصر لمواجهة تداعيات اقتصادية وبيئية لن تكون قادرة على تحملها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى