مقالات وآراء

نادر فتوح يكتب: خروج المعتقلين في مصر.. واجب وطني وإنساني لا يحتمل التأجيل

لا تزال قضية المعتقلين في مصر من أكثر القضايا إلحاحًا وأشدّها إيلامًا، ليس فقط لكونها تمس أرواحًا وقلوبًا وأسَرًا بأكملها، بل لأنها باتت مرآة تعكس حالة حقوق الإنسان في البلاد، وتكشف عن عمق الفجوة بين الخطاب الرسمي من جهة، والواقع المؤلم من جهة أخرى.

الحديث عن ضرورة الإفراج عن المعتقلين لم يعد ترفًا سياسيًا ولا شعارًا حقوقيًا، بل أصبح نداءً إنسانيًا، وواجبًا وطنيًا يُحتّم على الدولة والمجتمع بكل أطيافه أن يتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان.

لقد تكررت في الآونة الأخيرة الأخبار المفجعة عن وفيات معتقلين داخل السجون المصرية، في ظروف تُثير القلق والشكوك حول الإهمال الطبي والمعاملة غير الآدمية، علاء جمال ومحمد حسن هلال وغيرهم كثيرون، لم تكن مجرد أرقام أو حالات فردية، بل قصصًا من الألم والصراخ المكتوم، تفضح نظامًا عقابيًا يفتقر لأدنى درجات الرحمة والعدالة، ماتوا لأنهم لم يجدوا من ينقذهم، ولأن صرخاتهم لم تجد من يسمعها خارج الجدران العالية.

الأرقام صادمة، والتقارير الحقوقية تؤكد استمرار نمط الانتهاكات “منع الزيارات، الحبس الانفرادي لأشهر وربما سنوات، الحرمان من العلاج، سوء التغذية، التعذيب النفسي والجسدي، والتضييق على المعتقلين في ممارسة شعائرهم الدينية أو الحصول على أبسط حقوقهم كبشر”، وفي ظل كل هذا، لا يزال كثيرون في الزنازين دون محاكمات عادلة أو تهم واضحة، ودون أمل قريب في الحرية.

المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، وإن كانت صاحبة القرار الأهم، لكنها مسؤولية مجتمعية مشتركة، الأحزاب السياسية، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام الوطني، وكل صاحب رأي وقلم، مطالبون اليوم بأن يعلو صوتهم دفاعًا عن المظلومين، لا مجاملة لنظام ولا خشية من بطش، فلم يعد الصمت موقفًا محايدًا، بل صار مشاركة في الجريمة.

في ظل هذه الأزمة الممتدة، تبدو المعارضة – سواء في الداخل أو الخارج – مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تتخذ موقفًا موحدًا وواضحًا من ملف المعتقلين، فهذه القضية لم تعد مجرد ورقة تفاوض أو عنوانًا في خطاب سياسي، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الجميع بقيم الإنسانية والمبادئ التي يدافعون عنها.

في الداخل، لا تزال بعض الأصوات خافتة، محاصَرة، أو مترددة في المطالبة العلنية بالإفراج عن المعتقلين خشية التضييق أو الرفض الرسمي، وفي المقابل، يُنتظر من رموز المعارضة داخل الوطن أن يجعلوا من هذا الملف أولوية لا تقبل التأجيل، وأن يستغلوا أي منبر أو مساحة لطرحه بقوة وإلحاح، مهما كانت التكلفة.

أما في الخارج، فإن الجاليات المصرية والمعارضين الذين وجدوا في المنفى مساحة لحرية الرأي والتعبير، تقع على عاتقهم مسؤولية مضاعفة في تسليط الضوء على هذا الملف في المحافل الدولية، وفي الضغط السلمي من أجل إنقاذ المعتقلين، لا من باب استثمار المعاناة، بل من منطلق أخلاقي ووطني خالص.

خروج المعتقلين في مصر لم يعد مجرد مطلب قانوني، بل هو الخطوة الأولى نحو بناء مصالحة حقيقية بين الدولة والمجتمع، ومفتاح الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي لا يمكن أن يتحقق فوق جثث الأبرياء أو خلف قضبان الظلم.

الدولة التي تتحدث عن بناء الجمهورية الجديدة، لا بد أن تكون جمهورية عادلة، تحتكم إلى القانون لا الانتقام، وتعيد الاعتبار للمظلومين بدل دفنهم تحت تراب النسيان.

كفى موتًا في السجون، كفى كسرًا للأمهات والزوجات والأبناء، كفى دفنًا للأحلام خلف القضبان، وآن الأوان لصوت العقل أن يعلو، ولصوت الضمير أن يستفيق، آن الأوان أن نرى خطوات حقيقية تُثبت أن هذا الوطن يتسع للجميع، وأن الحرية ليست منحة بل حق أصيل لكل مصري.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى