بياناتبيانات ومواقف

نداء عاجل للمعارضة الديمقراطيّة أن تتوحّد و توحّد جهودها بمناسبة الإنتخابات الرئاسيّة القادمة.

لا يخفى على أيّ مواطن تونسي غيور على وطنه و لا على أيّ متابع للشأن التونسي، أنّ تونس تمرّ بفترة مظلمة و حالكة من أتعس فتراتها منذ الإستقلال من فرنسا سنة 1956، و أنّه من واجب كلّ الوطنيين المخلصين أن يتحرّكوا بسرعة لإنقاذ تونس.

عند حصول الإنقلاب على القانون و على الدستور في 25 جويلية 2021، إعتقد الكثير من التونسيّين أنّ قيس سعيّد سيقوم ببعض الإصلاحات، سمّيت في ذلك الوقت ”تصحيح مسار“ و لكنّه لن يمسّ بالحقوق و الحرّيات و الديمقراطيّة التي ناضل من أجلها الشعب التونسي على مدى ستّين عامًا. و لكن أصبح واضحًا للعيان، و لكلّ الصادقين و المتابعين، أنّ قيس سعيّد تجاوز كلّ الخطوط الحمراء و دمّر كلّ مؤسّسات الدولة التي بنيت بعرق و جهد و نضال التونسيّين و التونسيّات على مدى أجيال، و أنّه إفتكّ كلّ السلطات بين يديه، بشكل لم تره تونس حتّى في عهد بورقيبة و بن علي و أنّ الدولة التونسيّة و الإقتصاد التونسي أصبحا على حافة الإنهيار.

الحلّ يكمن طبعًا في توحيد جهود كلّ التونسيّين و التونسيّات المؤمنين بضرورة العيش الكريم في إطار دولة المؤسّسات و المواطنة و الحقوق و الحرّيات و إحترام القانون و الدستور و ليس في إطار حكم الفرد، الذي لا يؤدّي إلى خراب العمران. طبعًا، هناك إختلافات في الرؤى و البرامج و هذا أمر عادي و طبيعي في كلّ الدول و الشعوب، و لكن هناك أيضًا ثوابت و مصالح يلتقي حولها كلّ التونسيّين و التونسيّات و هي الحفاظ على الدولة و الأمن و الإستقرار و تحقيق الحرّية و الكرامة و العدالة بين كلّ أبناء الوطن.

و قد تكون الإنتخابات الرئاسيّة المزمع تنظيمها في سبتمبر و أكتوبر القادمين فرصة مهمّة و تاريخيّة و ربّما الأخيرة لإنقاذ تونس من الهاوية و العودة بها إلى مسار الأمم الناهضة و المتقدّمة. و لكن هذا يتطلّب العمل بسرعة على توحيد جهود المعارضة الديمقراطيّة لكي لا تدخل الإنتخابات و هي منقسمة و مشتّتة بل موحّدة في إطار خطّة واضحة لإنقاذ تونس.

هناك طبعاً من مازال يعتقد أنّه مقاطعة الإنتخابات هي الأفضل لكي لا نعطي ”الشرعيّة الإنتخابيّة“ لهذا النظام الانقلابي، و لكن عشرات الدراسات و البحوث الأكاديميّة أثبتت – ليس فقط في تونس بل في عشرات الدول الأخرى – أنّ المقاطعة لا تجدي نفعًا و لا تقود إلاّ إلى عزل المعارضة و إضعافها و ترسيخ الإستبداد و نظام حكم الفرد. لقد جرّبنا في تونس المقاطعة منذ الإنقلاب و نتائج هذه المقاطعة واضحة للعيان: نظام يحكم في تونس بأقلّ من عشرة في المائة من الناخبين (و هي أضعف النسب في العالم) و غير مكترث لما يردّده ”المقاطعون“. إذًا المقاطعة هي أكبر هديّة يمكن أن تقدّمها المعارضة لمنظومة الإنقلاب.

طبعًا، يبقى هذا الإحتمال موجود في كلّ الأنظمة الإستبداديّة، و لكن إفضل طريقة لمنع التزوير هي المشاركة بقوّة و بكثافة في الإنتخابات لأنّ الإنتخابات هي مسار كامل يبتدأ بأشهر قبل يوم الإقتراع و يستمرّ المسار أشهر بعد يوم الإقتراع. و أثناء هذا المسار، تقوم كلّ الأحزاب المعارضة و منظّمات المجتمع المدني بتعبئة الشارع و الناخبين للمشاركة في الإنتخابات و في الحملات الإنتخابيّة، كما تقوم بالمطالبة بتوفير كلّ الضمانات القانونيّة و الدستوريّة لضمان نزاهة و شفافيّة الإنتخابات، مثل وجود المراقبين المحلّيين و الدوليين و أيضًا أكبر عدد ممكن من الصحفيين التونسيّين و الدوليّين. و أعتقد جازمًا أنّ تونس التي نظمّت ستّة إنتخابات حرّة و نزيهة و شفّافة بكلّ المعايير الدوليّة من 2011 إلى 2019 قادرة على توفير الضمانات الكافية لتكون الإنتخابات القادمة حرّة و نزيهة و شفّافة، و أن تكون التجاوزات محدودة و معزولة. و إذا رفض قيس سعيّد توفير الضمانات التي يفرضها القانون و الدستور و العقل السليم، فسيكون ذلك على مرأى و مسمع من كلّ أطياف الشعب التونسي و المجتمع الدولي، و سيجد نفسه معزولاً و منبوذًا من الداخل و من الخارج. أمّا مقاطعة الإنتخابات، فهي هديّة على طبق لأنّها تضمن له ”الفوز“ بدون الحاجة إلى التزوير، أو على الأقلّ إلى التزوير على نطاق واسع.

الخطر الأكبر من تزوير الإنتخابات هو تشتيت أصوات الناخبين بين عدد كبير من المترشّحين كما حصل في الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة لسنة 2019 حيث كان هناك حوالي 27 مترشّح للرئاسة وفاز قيس سعيّد في الدور الأوّل بحوالي 17٪ فقط، بينما تحصّل العديد من المترشّحين الديمقراطيّين (و عددهم على الأقلّ عشرة) على نسب ضعيفة تتراوح بين 3٪ و 5٪. هذا يعني، أنّه لو إتفقوا على العمل المشترك و توحيد الجهود لكان بإمكانهم الحصول على حوالى 50٪ أو أكثر من الدورة الأولى.

الدرس الذي يجب أن نتعلّمه جميعًا، قبل فوات الأوان، هو أنّ المشاركة في الإنتخابات يجب أن تكون بدعم مرشّح وحيد تتّفق عليه أغلب و معظم الأحزاب السياسيّة و التيّارات الفكريّة و الشخصيّات الوطنيّة، و يتعهّد هذا المرشّح بإحترام الحقوق و الحرّيات و القانون و الدستور، و طبعًا أقصد دستور 2014 الذي صادقت عليه أغلب القوى السياسيّة بنسبة 93٪ و ليس دستور قيس سعيّد الذي خطّه بيده و بمفرده و شارك في الإستفتاء عليه أقلّ من ثلث الناخبين. إتّفاق أغلب القوى السياسيّة الديمقراطيّة (و طبعًا لا أستثني منها إلاّ حزب عبير موسي التي رفضت أداء القسم على دستور البلاد) ليس بالأمر الهيّن و لكنّه ممكن إذا أردنا فعلاً إنقاذ وطننا الحبيب و العزيز علينا جميعًا، لكي لا نسمح لقيس سعيّد أن يدمّر تونس لمدّة خمسة سنوات أخرى و كذلك لقطع الطريق أمام مرشّح آخر غير ديمقراطي و ربّما مدعوم من أنصار عبير موسي (فرّج الله عنها و عن كلّ المساجين السياسيّين) و أنصار الثورة المضادّة للفوز في الإنتخابات و المضي قدمًا في ترسيخ نظام القمع و الإستبداد و حكم الفرد الذي أوجده قيس سعيّد.

إنّها لحظة تاريخيّة و مفصليّة في تاريخ بلادنا الحديث و أرجو أن نكون جميعًا في مستوى التحدّى لأنّ المخاطر المحدقة عديدة جدًّ و إذا لم نتحرّك الآن لتوحيد جهودنا و إنقاذ بلادنا، فقد نستفيق بعد خمسة سنوات بدون دولة و بدون وطن.

فيا أيّها الوطنيون المخلصون و الديمقراطيّون الصادقون إتّحدوا و وحّدوا صفوفكم قبل فوات الأوان.

ألا هل بلّغت، اللهمّ فأشهد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى