سياسة عربية

دولة الإمارات مستهدفة من قبل المحاكم الفرنسية والسويسرية

بعد الكشف عن Mediapart وEIC، فتحت المحاكم الفرنسية والسويسرية تحقيقات ضد وكالة Alp Services في جنيف ورئيسها ماريو بريرو، الذي نفذ عمليات استخباراتية وحفظ ملفات وزعزعة الاستقرار في أوروبا نيابة عن الإمارات العربية المتحدة.

كشف تحقيق أجرته “ميديابارت”، استناداً إلى بيانات وشهادات مسربة، عن شبكة نفوذ تعمل في فرنسا لحساب قوة أجنبية ما فتئ نفوذها يتعاظم في باريس: إنها الإمارات العربية المتحدة.

كشف موقع “ميديابارت” الفرنسي، عما يدور في الكواليس من استراتيجيات التأثير والضغط، التي تمارسها دولة الإمارات العربية المتحدة في فرنسا، استناداً الى تسريب وثائق ونشر الكثير من الشهادات. نجد ضمن هذه الشبكة، عميل مخابرات إماراتياً، ومحققين سويسريين، وباحثين، وصحافيين فرنسيين مشهورين، من دون أن ننسى بطبيعة الحال المواطن الفرنسي ألكسندر بنعلا، ذائع الصيت.

لم يكن “فريق خورخي/ Team Jorge”، وهو الطاقم الإسرائيلي المعروف بتقديم خدمات القرصنة ونشر عمليات التضليل الإعلامي على نطاق واسع، من خلال التلاعب بمحتوى المعلومات على الإنترنت، والذي زادت شهرته منذ الكشف عن “القصص المحرمة” (Forbidden Stories) في قضية BFMTV، فاعلاً منعزلاً في صناعة المعلومات المضلّلة.

تتولى عملية تنسيق أنشطة هذه الشبكة، شركة استعلامات اقتصادية مقرها سويسرا، وهي شركة “ألب سيرفيسيز”، وقد سبق لها أن نفذت مهاماً استخباراتية خاصة لحساب عملائها. وفي صلة مع باحثين، يدّعي أحدهم ارتباطه مباشرة مع إيمانويل ماكرون، نُقلت مجموعة من المعلومات الى عميل استخبارات إماراتي، استطعنا تحديد هويته.

نشرت هذه المجموعة الغامضة أيضاً معلومات – استُخدمت خلالها هويات مزيّفة على الإنترنت – بهدف إلحاق الأذى بخصوم الإمارات، وتقف المجموعة أيضاً في ما يبدو، خلف النسخة الإنكليزية والعربية من كتاب “أوراق قطر | Qatar Papers“، من تأليف الصحافيّين كريستيان شيسنو (راديو فرنسا) وجورج مالبرونو (من صحيفة لو فيغارو)، الذي كشف عن تمويل قطر، العدو اللدود لدولة الإمارات، الجمعيات الإسلامية في أوروبا.

تندرج المعلومات التي كشفها موقع “ميديابارت” في إطار حرب الظل المشتعلة بين الجارتين الخليجيتين، والتي بلغت ذروتها بين عامي 2017 و2021، عندما نفَّذ التحالف بقيادة الإمارات والسعودية ومصر حصاراً على قطر.

تُعد كل من قطر والإمارات من كبار المشترين للأسلحة الفرنسية، وتستثمر هاتان الدولتان بسخاء في مجال العقارات والرياضة (فريق كرة القدم PSG) والثقافة (متحف اللوفر أبو ظبي)، فضلاً عن إنفاقهما مبالغ طائلة في توكيل شركات علاقات عامة ووكالات متخصصة في الاستخبارات الخاصة والتضليل الإعلامي للتأثير في القادة السياسيين والرأي العام في الدول الغربية. وفوق ذلك كله، تستخدم الدولتان سياسة الضغط ونشر مقالات صحافية كاذبة، وحتى أعمال القرصنة. وكانت الإمارات قد نفذت عملية “الغراب الأسود Raven” لاختراق القطريين بمساعدة جواسيس إلكترونيين أميركيين سابقين، بينما يُشتبه في قيام قطر بالتجسس على معارضين بمساعدة قراصنة هنود.

كانت الأعمال التي اقترفتها قطر في فرنسا وأوروبا في قلب فضيحة الفساد الأخيرة في البرلمان الأوروبي، وقد تم توثيقها على نطاق واسع. في المقابل، فُضحت حركات دولة الإمارات، في مجال ممارسة الضغوط المكثفة في الولايات المتحدة – لا سيما بعد اختراق صندوق البريد الإلكتروني لسفيرها – لكن ظلت أنشطتها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي غير معروفة حتى ذلك الحين.

للمرة الأولى، تكشف “ميديابارت”، ما يدور خلف الكواليس من عمليات نفوذ في فرنسا وأوروبا، تحت الإشراف المباشر لأجهزة المخابرات الإماراتية. استند جواسيس أبو ظبي في أداء هذه المهمة إلى شركة “ألب سيرفيسيز” للاستخبارات والتأثير السويسرية، التي أسسها أحد الخبراء المخضرمين في هذا القطاع في عام 1989، ماريو بريرو، 76 عاماً، المعروف بأساليبه المثيرة للجدل.

وقد أصدرت العدالة في فرنسا بحقه حكماً قضائياً لحصوله بشكل غير قانوني في عام 2011، على سجلات المكالمات الهاتفية لزوج آن لوفرجون، رئيسة شركة “أريفا” آنذاك، التي وصفته بـ “بالجاسوس”.

تُظهر عملية تسريب بيانات سابقة، قامت بها شركة “ألب سيرفيسيز” وكشف عنها موقع Heidi News على الإنترنت في عام 2021، أن ماريو بريرو، كان وراء تحفيز جهات على تحرير مقالات صحافية تهدف إلى انتقاد المدعي العام في جنيف بناءً على طلب عشيقة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس. وفي تسجيل صوتي له، يبدو أن ماريو بريرو يتحدث عن إمكان بيع أبحاث أجْرِيت لحساب أحد زبائنه، وهو تاجر الأعمال الفنية إيف بوفيي، إلى خصمه الرئيسي الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف، بحجة أن بوفيي لم يدفع مستحقات شركة “ألب سيرفيسيز”.

هذا السيل المتدفق من المعلومات المسربة المُضر بالنسبة الى رجل الظل، جعل ماريو بريرو يشعر بالتوجس المفرط تجاه مساعديه. وقد شهد مكتبه الكثير من الاستقالات في السنوات الأخيرة، في حين تشير  مصادر عدة الى أن أسلوب تسيير الأعمال بالمكتب أصبح قاسياً في بعض الأحيان. في عام 2021، حُكم عليه بتهمة إجبار إحدى الموظّفات على توقيع وثيقة تحت الإكراه، فيما كان يُعِد للتخلص منها. وقد كشفت الضحية عن “وجود برنامج تجسس في جميع حواسيب الموظفين”، وفقاً للحكم الصادر في هذه القضية.

في محاولات متكررة للاتصال به، لم يرغب ماريو بريرو في الإجابة على أسئلتنا. وتوضيحاً لهذا الرفض من موكلهم، قال محاموه كريستيان لوشر ويوان لامبر، أن شركة “ألب سيرفيسيز” “ملزَمة بالسرية المهنية الصارمة، بجميع أشكالها […]، تجاه عملائها إزاء المعلومات التي تعالجها لحسابهم”.

أضاف محامو شركة “ألب سيرفيسيز”، الذين أبلغونا إخطاراً رسمياً يقضي بواجب “إتلاف جميع البيانات” المتعلقة بموكّلهم والإحجام عن أي عملية نشر للمعلومات تم الحصول عليها من خلال أعمال غير مشروعة”، أنه بالنظر إلى “العناصر المُتضَمنة في بريدكم الإلكتروني، يبدو واضحاً أنكم تسلمْتم بيانات محمية بموجب هذه الأسرار وحصلّتم عليها بطريقة غير مشروعة”. 

اتهمتنا أطرافٌ أخرى بأننا نتحامل على دولة الإمارات لخدمة مصلحة دولة قطر، وكان ردنا على هذه الاتهامات، تذكيرهم بأن موقع “مديابارت”، كان مصدر تحقيقات في الكثير من القضايا، لا سيما المتعلقة بالفساد، ومن هذه القضايا، ما يشير تحديداً إلى توّرط شخصيات قطرية في هذه القضايا، وأن الكشف عن هذه المعلومات أدى، وفقًا لوسائل الإعلام البريطانية The Sunday Times ومكتب الصحافة الاستقصائية إلى استهداف “ميديابارت” من قطر في عملية قرصنة عالمية.

كشفت وثائق داخلية جديدة خاصة بشركة “ألب سيرفيسيز”، حصل عليها موقع مديابارت، أن ماريو بريرو قد تصرف بطريقة متهوّرة عند تقديمه، في إطار نزاع عادي أمام المحكمة الخاصة بشؤون العمل، وثائق وصوراً تكشف معلومات عن مُزودي المشاريع وزبائن شركة “ألب سيرفيسيز”، وتوجد من بين هؤلاء، شخصية بالغة الحساسية: عميل سري إماراتي.

هذا الرجل الذي تمكنا من تحديد هويته، ونطلق عليه اسم “محمد” (انظر عمودنا على مديابارت ‘الصندوق الأسود’)، هو ضابط مخابرات كبير في أبو ظبي، وكان قد استعان بخدمات ماريو بريرو لمدة أربع سنوات على الأقل.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أعرب رئيس “ألب سيرفيسيز” في رسالة نصية قصيرة عن ابتهاجه، كتب فيها إنه “يتناول العشاء في لقاء ثنائي حصري مع محمد”، الذي عهد إليه للتو بـ “3 مهام مهمة بمبلغ إجمالي قدره … مليون يورو”. وسيتم توقيع عقد آخر بعد ذلك، يقدر بنحو 1.2 مليون فرنك سويسري (المبلغ نفسه باليورو) كل ستة أشهر.

تميزت هذه المهمة بحساسية بالغة، الى درجة أن الاتصالات كانت تمر حصرياً من خلال عنوانين مجهولين اثنين مكوّنين من ستة أرقام، تم فتحهما على خدمة البريد الإلكتروني المشفرة Protonmail: العنوان الأول لشركة “ألب سيرفيسيز”، والثاني لوكيلها الإماراتي المعتمد، الذي نطلق عليه في هذه المقالة اسم 842943@protonmail.com. وكان ماريو بريرو ومعاونوه يلتقون أيضاً سراً، في سويسرا أو في أبو ظبي، بالوكيل “محمد” ورئيسه داخل مصالح الاستخبارات، الملقب باسم “سعادة الملاكم”.

وفقًا للوثائق التي اطلعت عليها مديابارت، ينص أحد العقود على أن تُجري شركة “ألب سيرفيسيز” تحقيقات مكثفة على وجه الخصوص حول “شبكات التأثير” و”جماعات الضغط والمؤثرين والصحافيين” من قطر في الاتحاد الأوروبي.

في عرض تجاري مقدم إلى العميل الإماراتي، تقترح الشركة استهداف، على وجه الخصوص، سهام سويد (ضابطة شرطة سابقة ومستشارة وزارية اشتراكيّة، أصبحت مكلفة في مجال الاتصال والتأثير لحساب قطر في فرنسا)، من خلال التحقيق في كل ما له علاقة بها ومحيطها “زوجها وشركتهما”، لاصطياد “المعلومات السلبية”.

تعتزم شركة “ألب سيرفيسيز” أيضاً التحقيق في وكالة “أفيزا بارتنرز”، التي تعمل لحساب قطر، مثلما سبق أن أشارت إلى ذلك ميديابارت. إن هدف شركة “ألب سيرفيسيز” كان “واضحاً”، وفقًا للوثيقة ذاتها: “التصدي لأعمال التأثير والضغط  التي تمارسها قطر على مستوى الاتحاد الأوروبي”، من خلال “الكشف عن […] وشجب البنية التحتية العاملة في الظل” التي يقيمها “عملاء شرسون مثل “أفيزا بارتنرز” وسهام سويد”.

الوضع يزداد إثارة، مثلما يتضح من مساعي “أفيزا بارتنرز” واستعدادها للشراء المحتمل لخدمات شركة “ألب سيرفيسيز”، وفقًا لمعلوماتنا. في ردها على اتصال من “ميديابارت”، رفضت الشركة الفرنسية، التي تقول إنها لم تعد تعمل لحساب قطر “منذ سنوات”، التعليق على هذا الموضوع، مثلها مثل شركة “ألب سيرفيسيز”.

وفي اقتراحها المُقَدم إلى دولة الإمارات، تنوي وكالة ماريو بريرو السويسرية، القيام أيضاً بإجراءات “الضغط المضاد” التي تستهدف قطر، وتشمل نشر المعلومات المناهضة لقطر وتسريبها إلى “السياسيين الأصدقاء” وإعداد ملفات بهدف رفع دعوى قضائية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى