خفض مخصصات الصحة بالموازنة يطيح بـ”العلاج على نفقة الدولة” إلى المشرحة

25 مايو, 2023 07:45 مساءً
أخبار الغد

وكأن المواطن المصري تنقصه الهموم، حتى تصب الحكومة على رأسه هموما أخرى، علاوة على هموم الضرائب والرسوم التي تتفنن الحكومة في فرضها على المصريين ليل نهار، جاء الدور على المعدومين والفقراء الذين أعيتهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية عن القدرة على تلقي العلاج، إلا على ما يعرف بـ “على نفقة الدولة” وهو الأمر الذي لم يسلم هو الآخر من الوحشية الرأسمالية للحكومة، التي بدأت في دراسة فرض رسوم جديدة ونسبة تفرض على المريض المستفيد من العلاج على نفقة الدولة.

وقد طرح وزير الصحة تصورا حكوميا بفرض نسبة مئوية يتحملها المرضى من تكاليف العلاج على نفقة الدولة، في سابقة مالية خطيرة تحدث لأول مرة منذ إصدار القانون 79 لسنة 1975، والذي ينص على أنه “يسري نظام العلاج على نفقة الدولة على المصريين الذين لا تشملهم مظلة أي تأمين صحي أو علاجي عام أو خاص”.

ووفق وكيل وزارة الصحة السبق د.مصطفى جاويش، ظلت تلك المادة مطبّقة في نطاق ضيّق ومحدود حتى نهاية التسعينيات، حيث بدأت وزارة الصحة في توسيع دائرة إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة، وإضافة عدد أكبر من الأمراض والإجراءات العلاجية، فيما يسمى عملية التكويد وإضافة أكواد لأمراض وإجراءات طبية جديدة. واستمر تطوير الأداء وتسهيل الإجراءات، حيث تم بعدها إدخال الرقمنة والتحول الرقمي، خاصة مع بدء التركيز على حل مشكلة قوائم الانتظار التي تعتمد في أغلبها على تمويل نفقة الدولة.

ارتباك مفاجئ

وجاء الطرح الأخير بفرض نسبة مئوية من تكاليف العلاج على المرضى المنتفعين بصورة مفاجئة أحدثت ارتباكا بين جماهير المواطنين من ذوي الدخل المحدود، خاصة مع تزايد الارتفاع في نسبة الفقر بين المصريين، وكان التبرير الحكومي يوضح أن السبب هو الرغبة في تنمية الموارد المالية، خاصة بعد ضم نفقة الدولة إلى صندوق مواجهة الطوارئ الطبية، وذلك حسب ما ورد في بند 5 من مادة 11 من القانون، التي تنص على “المساهمة في نفقات علاج المرضى الخاضعين لنظام العلاج على نفقة الدولة بما يتفق وأغراض الصندوق”.

أزمة تمويل العلاج

وتم إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية بالقانون رقم 139 لسنة 2021، وتشمل موارد الصندوق:

أولا: موارد حكومية مثل:

1- المساهمات المالية الحكومية للعلاج على نفقة الدولة.

2- أرصدة حساب صندوق دعم الدواء.

3- أرصدة حساب صندوق مشروع القضاء على قوائم الانتظار للمرضى.

4- ما قد تخصصه الموازنة العامة للدولة لصالح الصندوق.

ثانيا: ضم أرصدة صناديق أخرى مثل:

1- صناديق وحدات صحة الأسرة في المحافظات.

2- نسبة من حصيلة الحسابات الخاصة في القطاعات المختلفة في ديوان عام وزارة الصحة.

3- المبالغ المالية المخصصة لصالح صندوق تحسين أداء العمل في وزارة الصحة وإدارات العلاج الحر في المحافظات.

4- نسبة مئوية من مبيعات الأراضي بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

ثالثا: الهبات والتبرعات من البنك المركزي المصري والبنوك واتحاد البنوك للصندوق، ومن الأفراد أو الهيئات ويقبلها مجلس الإدارة.

 

رابعا: نسبة مئوية من سعر بيع مستحضرات التجميل المستوردة، ومحلية الصنع، ونسبة من سعر بيع المبيدات الحشرية المُعدة للاستخدام في غير الأغراض الزراعية.

 

خامسا: فرض رسوم جديدة على المواطنين، مثل:

 

1- استحداث طابع طوارئ بقيمة عشرة جنيهات على تراخيص السيارات.

 

2- واستحداث طابع بقيمة 100 جنيه يُفرض على مصروفات المدارس والجامعات الخاصة والدولية لصالح الصندوق.

 

3- فرض رسم قيمته قرش واحد على كل دقيقة محمول لصالح الصندوق.

 

يهدف قانون مواجهة الطوارئ الطبية إلى إيجاد آلية مستدامة لتمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل، لا سيما العلاج على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار للمرضى ومنع تراكمها ودعم شراء الأدوية

سادسا: عوائد استثمار أموال الصندوق.

 

ويهدف قانون مواجهة الطوارئ الطبية إلى إيجاد آلية مستدامة لتمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل، لا سيما العلاج على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار للمرضى ومنع تراكمها ودعم شراء الأدوية، ومواجهة تمويل حالات الحوادث الكبرى والطوارئ والعناية المركزة والأطفال المبتسرين والحروق، وما يستجد من احتياجات لا تكفي الاعتمادات المالية المتاحة في موازنة الدولة لتغطيتها.

وكان وزير المالية أعلن أن الموازنة العامة للدولة 23/2024 تستهدف زيادة مخصصات الموجهة للقطاع الصحي لتصل إلى 397 مليار جنيه؛ ولكن هذا ليس رقما معبّرا عن الإنفاق الحكومي المخصص لوزارة الصحة، حيث يتم ضم مستشفيات الجيش والشرطة والأزهر والهيئات العامة، وبنود أخرى مثل نصيب القطاع الصحي من فوائد خدمة الدين العام، وخدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحي، باعتبارهما مقومين أساسيين في تحقيق معدلات صحية، وهذا الطرح بالرغم من صحته في تأثير تلك العوامل على الصحة، إلا أنه لا أحد في العالم يضمها إلى الإنفاق الصحي،  بحسب جاويش،

ولكن الواقع هو أن الإنفاق “الحقيقي” على الصحة لا يتجاوز 1.4% من الناتج القومي الإجمالي، ولا يفي بالاستحقاقات الدستورية، ويخالف توصيات منظمة الصحة العالمية.

 

وأعلن وزير المالية أن مخصصات علاج المواطنين على نفقة الدولة تبلغ 8 مليارات جنيه لعام 23/2024، في حين أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في شهر  أبريل 2023 أن إجمالي عدد المرضى الذين تم علاجهم على نفقة الدولة في الخارج والداخل 3.3 مليون مريض، بتكلفة قدرها 14.4 مليار جنيه عام 2022 وهذا يعني وجود فجوة تمويلية واضحة بين المخصصات الحكومية وبين المبالغ المطلوبة لتغطية نفقات علاج المواطنين على نفقة الدولة، وهذا يوضح أهمية الالتجاء إلى صندوق مواجهة الطوارئ الصحية القائم في جزء كبير من تمويله على التبرعات وفرض رسوم إضافية على المواطنين.

ونظام العلاج على نفقة الدولة، قد وُضِع خصيصا من أجل الفقراء غير القادرين على تحمل أعباء العلاج ونفقاته. ومن المتعارف عليه دوليّا، وحسب ما أقرته منظمة الصحة العالمية، فإن ما يمكن اعتباره علاجا على نفقة الدولة، ما يعد جزءا حيويّا من برامج صحية وعلاجية، تستهدف أفرادا مصابين بأمراض معينة يتكلف المصاب بها نفقات باهظة.  

 

وقد أصبح العلاج على نفقة الدولة هو الملاذ الوحيد المتاح لتقديم خدمات الرعاية الصحية للفقراء؛ خاصة وأنه يوجد 40 مليون مواطن مصري يحصلون على دعم مالي من برنامج تكافل وكرامة، حسب تصريحات صادرة عن وزارة التضامن مؤخرا، وسجّل معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2023 قيماً محسّنة للأسر المستفيدة، حيث بلغت 625 جنيها (حوالي 20 دولارا) شهريا، وهذا يؤكد على استحالة وجود قدرة مالية لديهم على سداد نسبة من تكاليف حقهم المشروع في العلاج على نفقة الدولة.

وأمام تلك الأرقام الكارثية، فإن المتخصصين يطرحون العديد من الحلول، في مقدمتها، زيادة مخصصات وزارة الصحة في موازنة الدولة لتصل إلى النسبة المعتمدة عالميا، بما يسمح بالقدرة على ضخ أموالا مناسبة وكافية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، بعيدا عن صندوق قائم على التبرعات، ودون تحميلهم أية أعباء مالية لا يقدرون عليها، مما يهدد صحتهم وسلامتهم.

ولعل زيارة واحدة للمستشفيات تكشف إلى أي حد وصل التدهور والانهيار المجال الصحي بمصر، فيما ينعم شعب السيسي من العسكريين وغيرهم  في المستشفيات الفاخرة المخصصة للجيش والشرطة والتي تستقبل الخبراء الدوليين وينعم من يدخلها برعاية فائقة ، بينما يموت الملايين من المصريين على أبواب المستشفيات.

أخبار مصر

عربي ودولي

حقوق وحريات