
فيروز حليم .. تكتب
تجربة تتبع فنانين الشارع، من شارع الاستقلال الى خشبة مسرح المسابقات
24 مايو, 2023 08:37 صباحاً


فيروز حليم
نائب رئيس حزب غد الثورة لشئون التنظيم والعضوية
أخبار الغد
شارع الإستقلال، في اسطنبول، حيث الشارع الأكثر حيوية، والذي يكتظ بالمارة، يزوره يوميا ثلاثة ملايين شخص، وعلى جانبي الطريق فنانون جاءوا من كل بقعة ومكان، ينتظروا ان لو كل مار يقف ثواني معدودة ليسمع او يرى فنهم، ثم ان اعجبه ذلك، يمكنه ان يترك لهم بعض النقود المعدنية، في صندوق او قبعة يضعها كل فنان امامه،
صورة من شارع الإستقلال المليء بالمارة، وفنانو الشارع.
كنت اتعجب بعدما اقف كغيري، استمع واستمتع بفن حقيقي من غناء، او عزف موسيقى، او رقص استعراضي، من المفترض ان يكون مكانه الحقيقي الساحات العريقة، وليس الشارع.
اخجل وانا اضع النقود المعدنية في قبعتهم، واسأل نفسي، هل الأموال تلك كافية لروح هؤلاء الفنانون المسكونة بفن مبهر كالذي يمتلكه كلا منهم.
ماذا لو خرجوا من الشارع، إلي مسرح كبير، وشاشة تلفاز، بكاميراتها لتنقل نبضهم واحساسهم الفني للجمهور، واضاءات حولهم من كل مكان، وتصفيق كلما قدم احدهم إبداعه في مجال موهبته،على هذا المسرح، وقتها شعرت ان بالفعل هذا الذي قد يجعلهم راضون عن مشوارهم الفني، او يكون انطلاقة لمسار اكثر نجومية بالنسبة لهم.
وبالفعل تعاونت مع إحدى القنوات الفضائية، ( قناة الشرق بإسطنبول ) لتنفيذ الفكرة وانتاج العمل، برنامج مسابقات، يحمل اسم التحدي، يحتوي كل فنان مازال مجهول، من شباب العالم، اينما كان فنه، وبغض النظر عن جنسيته، او عرقيته، او انتمائه... لكنه سيعطى الفرصة كاملة ليعبر عن هذا الفن، في لقاء جماهيري. وامام لجنة تحكيم قوية.
بالصورة عازف ومطرب من فنانين شارع الإستقلال في اسطنبول، إلى المسرح. امام جمهور، ولجنة تحكيم. في تجربة اجريناها، تتبع فناني الشارع .. من الشارع إلى المسرح.
تفاجأ القائمون على هذا البرنامج، ان تقدم لهذه المسابقة على هذا المسرح، فنون و اصوات من تحت الركام، وموسيقى من رحم المعاناة ورسومات تتحدى التغريبة وادب يؤرخ الواقع..
كان المتقدمين من كل الأعمار وتقريبا من سن السبع عشر عام حتى الثلاثين، وفي بعض افرع الفنون التي قدمت كان هناك مشاركين تحت سن العاشرة،
وكانت تجربة فريدة من نوعها. من فتيات وفتيان، ومن جنسيات عدة كإيران، وتركيا، وسوريا، ومصر، وفلسطين، والأردن، والعراق، واليمن، ولبنان وغيرها.
وكان هناك عدد كبير من المتقدمين الذين عانوا في بلادهم واضطرتهم الظروف للنزوح لبلاد غير بلدهم الام. اتوا بعد حرب، او كوارث طبيعية وبشرية. لكنهم على درجة كبيرة من الفن في اكثر من مجال..
كما كانت في اكثر من مجال فني، في العزف والغناء، والرسم، والاستعراض، والشعر، والتمثيل، والفنون القتالية.
بالصورة معي فنانون متميزون، جميعهم لأول مرة على المسرح.
وبدأ التصوير مع موهوبي الرسم، على المسرح، وترك لهم المجال ليرسموا، واثناء ذلك كنت احدث احدهم، وهو عبد الهادي براني، عربي سوري، عن شعوره الان وهو يستعد ليرسم على مسرح امام جمهور وكاميرات ولجنة تحكيم، فقال لي: وانا لأول مرة على المسرح، الأن، اشعر انني اندمج مع العالم كله، واشعر اني اطير فوق الغيم، الأن فقط اشعر اني سوري كسر حاجز الغربة . وسوف أعبر امام كل هذا الجمهور، عن الامي بفرشتي والألوان وسأرسم اليوم عن ما جرى في بلدنا وقت الحرب، لأعبر عن احلامنا وطموحنا. ونقول اننا مازلنا موجودون.
بالصورة يقف معي فيها، فنانون، واجهوا الجمهور لأول مرة، ويندمج معهم اساتذة لمعاهد الفنون.
حدثني الفنان السوري والمدرس بأحد المعاهد الفنية العريقة بسوريا، الفنان عبداللطيف طاووس، قائلا ان الدراسات تؤكد على أن الفن يحفز إفراز الدوبامين بالجسم، ويتم إطلاق هذه المادة الكيميائية عندما نقوم بشيء ممتع، وهي تجعلنا نشعر بالسعادة، ويمكن أن تكون زيادة مستويات هذا الناقل العصبي الذي يجعل الشخص يشعر بالرضا مفيدًا جدًا إذا كان يعاني من القلق أو الاكتئاب
.. تقول الفنانة _هوليا_محمد فنانه تشكيلية تميزت بالفن التجريدي، وهي احدى المتسابقات على المسرح،
قالت لي انها اخيرا اليوم تقف على مسرح، وهي تعبر بفنها التجريدي وامام الجمهور اخرجت الرسالة والانفعالات والمشاعر المحتبسة بداخلها وعبرت عنها بضربات انفعالية صارخة حرة.
هوليا تحدثني ايضا عن رحلتها الفنية فتقول لي:
بدأت بالرسم من ايام الطفولة كنت دايما برسم بالمدرسة، او المواصلات او الشارع او اي مكان تواجدت فيه بمجرد ان امسك بالورقة والقلم يتولد الرسم. وارسم كل شئ امامي. وعندما وصلت لسن الجامعة، وتخرجت منها، وطورت موهبتي، اصبحت ادرس الفن بكل قواعده واصوله، لكن الفرصة لم تكن تأتي بشكل يروي ظمئي، او يجعلني رسامه مشهورة .. ولذلك عندما جاءت الفرصة للوقوف على مسرحكم هذا، هنا، ليرى العالم موهبتي، لم اتردد، ولم افكر طويلا.
وكل شخص يقوم بأعمال فنية أو حرفية في الأماكن العامة، هو ما يعرف بفنان الشارع، وعمله يكون مقابل مكافأة مالية، كما حدثتني الفنانة سهام جويد، احد مدرسي معاهد الفنون، وذكرت لي ايضا ان عدد من الفنانين والفنانات الشباب، من فنانو الشارع، بالرسم تمكنوا من تحويل ما كان قبحاً وجموداً إلى جمال من نوع خاص وفن من طراز مختلف. ألوان زاهية وخطوط شبابية، استحسنها الجميع.
بالصورة معي ثلاث فنانات فن تشكيلي، وجميعهم لأول مرة على المسرح.
يقول لي إساف، احد رسامين الشوارع الإيرانيين، ان بعض السلطات في بعض البلدان تنظر إلى ما نقوم به، نوع من التجارة وتطلب تراخيص المزاولة،
وقد يكون بعض معرض لخطر الطرد أو القبض عليه في حال كانت هذه الدول تمنع مثل هذه العروض أو في حال كانت هذه العروض تعتبر ضد قانون الدولة.
الفنانة امل حلبي السورية حدثتني عن احساسها بوقوفها اعلى المسرح لأول مرة قائلة
كبرنا قبل أن نكبر .. وشبنا قبل المشيب
هذا هو العنوان الذي اخترته امل للوحتها
قالت ان هذه اللوحة التي رسمتها على المسرح
من أكثر اللوحات التي استمتعت برسمها ..
لربما لأنها تشبهني أو بتعبيرٍ أدق تشبهنا ..
نعم تشبهنا نحن الجيل الذي نشأ مع الحرب مع الدمار ...
الجيل الذي ننظر إليه من الظاهر فيبدو شاباً في ربيع عمره
لكن في داخله هموم وأحزان وعلى عاتقه مسؤوليات
كخريفٍ تساقطت أوراقه وبهُتت ألوانه الزاهية ..
كرجلٍ تخطى الثمانين من عمره ولربما أكثر ...
حتى كاد يحمل قلب مرهق قد يتوقف بسبب نظرةٍ قاسية
الجيل الذي عاش مالم يعشه باقي الأجيال ..
سوار إلياس رسامة شارع، إيرانية، تحدثني فتقول ان رسام الشارع قد يجد نجاح اكثر من رسامين المعارض، لأنه يلامس قضايا العامة بفنه، وريشته والوانه وسيلة تعبر عن ما بداخله تروي ذكريات سعيدة ومؤلمة للمارة في الطريق، تعبر عن نكباتهم، وافراحهم، انا بالشارع، اصل لأكبر عدد ممكن من المظلومين، والمرفهين، كلا منهم يجد نفسه في لوحاتي، فلماذا احبس فني على حوائط المعارض.
هناك بلدان أخرى، يمكن لفنان الشارع أن يحصل على ترخيص من قبل السلطات المحلية أو البلدية مما يمكنه من بيع أعماله بشكل قانوني. ولكن هذه التراخيص البلدية التي يحصل عليها الفنان عادة ما يكون لها حدود أو قيود من حيث الأماكن التي يستطيع الفنان الأداء فيها بالإضافة إلى الأعمال التي يسمح له
الفنان كامل حمام، لاجئ من سوريا، وهو على المسرح ولأول مره يواجه جمهور ، حدثني قائلا انه سوف يستغل وجوده على المسرح الليلة، وبين الجمهور، وعلى شاشات التلفزيون لأول مرة، ليرسم للعالم عن اللاجئيين ومعاناتهم في المخيمات، في البلدات العربية،
اما الفنانة مارية، فنانة عراقية، قالت لي إحساسها على المسرح مختلف كثيرا، وانها سوف تعبر عمّا تشعر به وما يجيش بداخلها مما رأته من معاناة للطفولة في أتون الحروب بالعراق.. فكانت لوحتها تنطق بالمشاعر والأحاسيس التي جذبت الجمهور..
سورفين موسى فنانه سورية، موهوبة صغيرة السن، لكن بمجرد وقوفها على المسرح
قالت ان هذا سبب كبير في احساسها بالسعادة وسوف ترسم امام الجمهور الذي يتابعها من على هذا المسرح اليوم بطريقة مثالية لم ترسم بها من قبل، قالت ان عدد الجمهور الذي يتابعها الان كبير، هم يتابعون بشغف بالغ، وهذا بحد ذاته يجعلها ابدع اكثر، ومهتمة بالتفاصيل..
والحقيقة ان سورفين كانت محقة بشكل كبير فهي استطاعت ان تفي بوعدها على المسرح وفازت على جميع المتسابقين الذين شاركوها في جولتها ..
الصورة لسورفين موسى تحتضني بعدما حصلت على المركز الأول في الفن التشكيلي.
اما الفنانة هبه الجراد، ١٧ عام، فقد فازت هي الاخرى، كفنانة تشكيلية، في الجولة الثانية، وقالت لي وهي على المسرح انها جاءت لتقف امام والديها وامام الجمهور الذي يشاهدها، كانت مرتبكة قليلا لكنها سعيدة، لوحتها كانت عن مأساة المرأة العربية ومعاناتها في ازمات متلاحقة، لم تخرج منها حتى اليوم. من وجهة نظر هبه.
بالصورة تقف معي الفنانة هبه جراد ١٧ عام تفوز بلوحه، عن مأساة المرأة العرببة، وهي تقف على المسرح لأول مرة، وقد تميز حديثها، بثقة كبيرة امام الجمهور.
حدثني ايضا الفنان الشاب احمد ناجي. المتخصص في تنظيم المعارض الدولية الفنية،
ان فن الشارع ولد في نهاية الستينات، مع رسوم في قطارات الانفاق ثم الجرافيتي، وقد ارتبط لفترة طويلة بالتخريب والحركات الاحتجاجية الا انه فقد منذ ذلك الحين جزءا من سمعته المتفجرة هذه.
وفي الدول المتأزمة سواء لظروف حرب او غيره، يبيع الفنانون اعمالهم ليعيشوا، ويتمكنوا من السفر ليتركوا بصماتهم على الجدران في انحاء مختلفة من العالم.
وفي حديث مطول مع الأستاذة رشا سليمان، التي عملت كسفيرة للفن والرسم العربي فمعارض تركيا الفنية قالت لي، ان فنان الشارع يهدف إلى تحقيق التواصل بينه وبين المواطن البسيط، فقد كسر فنانو الشارع ذلك البرج العاجي وأنزلوا الفن على أقدامه يصافح العالم والجاهل الغني والفقير المبالي لقضايا وطنه وشعبه وغير المبالي. رغم انه فن غير رسمي لكنه نشأ متمرّدا ثائرا خارج المؤسسات الثقافية والحضانات الحكومية، لكن بعض الدول ترخصه في شوارعها، ترويجا للسياحة.
وحدثني الفنان ربيع اسحاق، وهو متخصص في جرافتي، ان الان اصبح لدى رسامو الشارع، حرص شديد على المحافظة على الطبيعة فكل المواد المستخدمة بالرسم مواد طبيعية قابلة للتحلل تستند الى المياه والطحين وزيت بذر الكتان ومواد طبيعية ترش بعد ذلك بواسطة مسدس طلاء. وستساهم الامطار ونمو العشب في اختفاء رسم الفنان تدريجا. وبشكل غير مؤذي.
اما نهله عادل وهي احد الجماهير الذين حضروا داخل المسرح لمشاهدة العروض، والتقييمات، وهي مصرية، قالت لي: ان هناك عدد من المدن الجديدة في مصر، انتشر فيها الرسم على أكشاك الكهرباء الموجودة في الشوارع، وهي الأكشاك التي ظلت مكتفية بعلامة «خطر الموت»، حيث يوجد جمجمة بشرية وعظمتان بشريتان متقاطعتان على أسطحها لعقود طويلة. لكنها الأن تبدوا افضل، وقد ابدع رسامون الشارع، برسم التحذيرات على هذه الأكشاك، بشكل افضل مما كانت عليه.
مريم غسان ايضا من الجماهير التي حضرت بالمسرح، وهي يمنية، وهي مهتمة وشغوفه جدا بفن الشارع، حدثتني، ان باليمن من سنوات عدة، كان بها فاعلية دعا إليها فنانين الشارع الرسامين اليمنيين، كانوا يدعون الأصدقاء والمارة والغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي لرسم لوحات جدارية مشرقة في مناطق صنعاء التي تأثرت بالصراع بعد ثورة اليمن عام 2011.
وقالت مريم لي ايضا ان فنانوا الشارع في اليمن من الرسامين قاموا بحملة تحت عنوان "الجدران تتذكر وجوههم" كانت لرسم شخصية بالأبيض والأسود لتخليد ذكرى اليمنيين الذين اعتقلوا في العقود الخمس الماضية
وبدأ على المسرح متسابقي الملاكمات والاستعراض الحركي، والاداء الإيقاعي. لأعود اتحدث لبعضهم قبل ان يبدأ عرضة فكان حديثي مع وسيلة، وهي فنانه استعراضية فلسطينية قالت لي: ان من عدة اعوام وكانت مازالت صغيرة وتحديدا في ٢٠٠٩ كانت شوارع كثيرة من المدن الفلسطينية، حولتها فرقة فنية إسبانية استعراضية بالشارع، إلى ما يشبه المدن الإسبانية عندما عزف ورقص مائة من الفنانين الإسبان الفلكلور الإسباني وسط حضور المئات من المواطنين الفلسطينيين.
ذكرت لي الفنانة وسيلة، اسم تلك الفرقة فقالت اسمها "بريجادا ناستونيدا" الإسبانية وهذه الفرقة التي جعلتني احب هذا النوع من الفن، وهو الاستعراض، واليوم يتاح لي ان اقدم استعراضي انا وفرقتي لأول مرة على المسرح، حيث تدربنا جيدا هذه المرة، ولا اعرف رد فعل الجمهور او لجنة التحكيم، لكني سوف ابذل قصارى جهدي، فالمسرح بالنسبة لي كان حلما، وقد تحقق.
صورة للفنانة الاستعراضية الفلسطينية، وسيلة، مع فرقتها لأول مرة على المسرح..
حسين الملك صاحب الحزام الأول على جمهورية مصر العربية، لثلاث بطولات متتالية، وحاصل على الحزام الأسود بالاتحاد الأفريقي يقول لي عن الفنون القتالية بالشارع وكان احد لجنة التحكيم بتجربتنا هذه، قال ان قتال الشارع هو قتال بالأيدي في الأماكن العامة بين أفراد أو مجموعات من الناس. واليوم سنراه على المسرح، تجربة جديدة، لكنها تعطي مساحة للمتسابقين، ان يكونوا اكثر سيطرة لذواتهم، وانفعالاتهم، وانا اليوم سأتابع بشغف قدرتهم على هذا التحكم وخصوصا بوجود جمهور يراقب كل حركة لكل لاعب.
صورة لي مع لاعبتين ، فنون قتالية بعمر صغير، ولأول مرة على المسرح.
الكابتن على الكناس مدرب لياقة بدنية، ومتخصص في فلسفة فنون الدفاع عن النفس. وناقد رياضي، حدثني ان المسرح سيؤثر في لاعب الفنون القتالية بالتأكيد،
فالتدريب على البعد الروحي والأخلاقي للسيطرة على الذات وضبط النفس، والانضباط واحترام المنافس التي أظهرها المتنافسون المشاركون في نزالات بطولة الفنون القتالية على المسرح هنا سوف يساهم بنشر تلك النوع من الفنون
وهذا لن نجده اذا مارسوه في الشارع،
صورة لي مع لاعبين فنون قتالية بعمر صغير، ولأول مرة على المسرح.
اما الكابتن عصام عائشة بطل في فنون الدفاع عن النفس
قال ان اكثر ما لفت نظره عندما رأى لاعبوا الفنون القتالية، على المسرح، شعر بأنهم اكثر احترام للخصم والتحلي بمهارات القيادة والمسؤولية، عن ممارستهم لذلك بالشارع.
صورة لي مع مجموعة من لاعبي فنون قتالية بأعمار مختلفة، ولأول مرة على المسرح.
وكان من بين الجمهور سارة يحي، وهي لاعبه عربية، اردنية، سابقة للفنون القتالية، حدثتني انها كانت تمارس هذا النوع من الفن في الشارع، حتى تثبت انها قادرة على الدفاع عن نفسها، في الحي الذي كانت تعيش به، والذي كان يميز كثيرا بين ذكوره وإناثه، مما دفعها لتحترف هذه اللعبة، ثم تركتها بعد ما شعرت انها لم تعد بحاجه لإثبات قوتها امام الأخرين، وان المجتمع اصبح اكثر وعي، وهي ترى ان هذا الفن تحديدا هناك انواع تندرج تحته من الصعب جدا ان يحجم على مسرح، او حتى ساحات رياضية فمتعته الحقيقية بالشارع.
المغنون والعازفون الذين سوف يظهروا لأول مرة على مسرح بدأوا يتجهزون، وكنت اراقب تدريباتهم، في غرف الاستعداد، كان بعضهم متخوف جدا من فكرة المواجهة بالجمهور، داخل مسرح، وهذا ما جعلني أتساءل ما الفرق بين جمهور الشارع للفنان، وجمهور المسرح؟
وكانت اجابة المطرب العراقي نبيل سامي الذي سيغني لأول مرة على المسرح، قال لي، ان في استعراض موهبتنا بالشارع نلغي المسافات الفاصلة بيننا وبين الشرائح الشعبية التي تتفاعل معنا عن قرب، اما المسرح فالمسافة ابعد بيننا وبين الجمهور المتلقي، وهذا يجعلنا نخشى ردة فعله اكثر، ولا نعرف وقتها هل هو راضي عن موهبتنا، ام لا؟ والتصفيق مهما كان عاليا، على المسرح قد يكون نوع من المجاملة، لكن بالشارع انا انظر مباشرتا وانا اغني الى عيون المستمعين، واتعرف بصدق ما ان وصل احساسي لإحساسهم. ام لا.
احد فناني الشارع في التمثيل وهو لبناني، ملحم كابي، وقبل ان يقوم بعرضه التمثيلي على المسرح، حدثني ان ما جعله يعزف عن محاولة ايجاد له فرصة تمثيلية على المسارح، هو انها جميعا تكتفي بأسماء الكبار، وتغلق الباب أمام الموهوبين الجدد فيحرموا الأجيال الشابة والصغيرة من الجمهور، من متعة التذوق ونعمة التعدد..
الصورة للفنان إبراهيم سوسان، الذي فاز بالمركز الأول في التمثيل. في تجربته الأولى على المسرح معنا.
قالت لي المخرجة إيناس علي، ان التجربة التي تشاهدها، في التمثيل وتقدم على المسرح هنا، بهذه التجربة، تستحق الإشادة نظرا لكونها نجحت، في خلق فرصة الوقوف على خشبة المسرح، للممثلين الصاعدين، وانها ستجعل لديهم الأمل من الأن فصاعدا، ان يبحثوا عن فرص اكثر، فقد كسروا حاجز الخوف بداخلهم من مواجهة جمهور المسارح.
والحقيقة اني لم اكن اتصور ان كل فنان وقف على المسرح في هذه التجربة، ليقدم فنا مميزا، سوف يتفاعل على المسرح بهذه الطريقة التي ابهرت الجميع، فرغم هيبة المسرح بالنسبة لهم جميعا، إلا ان فنهم الحقيقي، جعل اقدامهم ثابته، وثقتهم بذواتهم الفنية، غلب على كل ما عداه، فالفنان في اي مكان، يستحضر فنه، وينسجم معه، ليجذب جمهوره إليه، ويجبره باقتناع، انه يستحق التصفيق المتواصل.
لقد حاولنا مع المتقدمين لخوض التجربة ان ندخلهم في التجربة بكل تفاصيلها، فأعددنا لهم غرف خاصة بالتجهيز قبل عروضهم على المسرح، وكان لهذا عامل قوي، في ان يشعروا بالخصوصية، وانهم بالفعل مقدرين من جانب القائمين على التجربة،
صورة بغرفة الإعداد والتجهيز والميك اب لكل فنان قبل الخروج على المسرح.
ايضا اللوجو المعلق، على ملابسهم، كانت له خصوصية شديدة لديهم، كنا قد اعددناه قبل وصولهم، ما اتاح لهم ان يشعروا انهم تم اختيارهم بعناية، من قبلنا، ولذلك كانوا فخورين بالموقف بأكمله، وسعداء، وظهر هذا في اداء كلا منهم، فكانوا فعلا مبهرين.
ايضا رد فعل كلا منهم، وخاصتا من تميزوا بالمراكز الأولى، كان إشارة لنا بنجاح التجربة، وبترك الآثر الإيجابي البالغ، على ذواتهم الفنية..
رد فعل الفنانة سورفين موسى، احد الحاصلين على المراكز الأولى في الرسم، والتعبير الفني.. في اول تجربه لها معنا على المسرح.
كما ان وجود بعض الأسماء الهامة، والشخصيات العامة الفنية المعروفة، بالعالم العربي، كلجنة تحكيم، جعلت لدا الفنان المتسابق، روح مختلفة، فقدم احسن ما لديه، وذاد احساسه الفني، وابدع امام هذه اللجان، وشعر ان المسرح فرصة حقيقية، لتقديم فنه امام المشاهير.
معي بالصورة، المطرب السوري الكبير يحي حوى، والذي اهتم كثيرا، بالحضور، وتشجيع الفنانين على المسرح، بتجربتهم الأولى، في مجال الغناء، وكان احد لجنة التحكيم.
اختيارنا للمسرح ذاته ايضا، كان له اهمية كبيرة، فكنا نبحث عن مسرح يكون به الإستيدج ( الذي سوف يقف عليه الفنان المتسابق )، ليس عاليا، حتى لا يبعده مسافات عن الجمهور، وهذا ما لم يعتاد عليه، فهو معتاد على فكرة التقارب مع الناس، ولذلك لم نريد مسرحا به استيدج عالي، حتى لا يربك هذا الفنان، الذي يعتلي المسرح لأول مرة، وكان اختيار موفق. حسب حديث الفنانين انفسهم. الذين وقفوا عليه لأول مرة.
صورة توضح قرب الإستيدج، من الجمهور، ويعلو فقط مجرد ١٠ سم تقريبا عن مساحة المسرح.
الإضاءات بالمسرح، جعلناها بما يشبه إضاءة الشوارع السياحية بإسطنبول ليلا، وهذا كان مقصود، حتى تكون عامل مساعد، على الإنسجام اكثر مع فناني الشارع الذين كانوا قد اعتادوا على هذه الألوان، ما يذيد من انسجامهم مع المكان.
صورة توضح الوان الإضاءات بالمسرح في تجربتنا الفنية هذه.
لجان التحكيم، كانوا على درجة كبيرة من التفاعل مع الفنانين على المسرح، وفي حوارهم سويا، اثناء التقييم كانوا حريصين ان لا يزعجوهم، او يثيروا لديهم ارتباكات، او توتر، فكانوا متعاطفين بشدة، مع تجربة الفنانين الأولى على المسرح.
احد لجان التحكيم، والتي تنوعت مع كل فرع من فروع المسابقة. وصلت ل ١٢ عضو لجنة تحكيم.
وكان بها خبرات متعددة، اساتذة جامعات، وشخصيات فنية، ونجوم في الفن والغناء العربي، والإنتاج السينمائي،
وابطال دوليين.
لعب الجمهور دور هام في زيادة عطاء كل فنان على المسرح، فالتصفيق الحاد دون توقف، والتصفير، والتشجيع اللفظي من بين صفوفهم لمن يقف على المسرح لأول مرة اعطاهم مزيد من الثقة في النفس واسهم بشكل كبير في نجاح التجربة.
الصورة تشير إلى، تركيز كامل من الجمهور، مع المواهب التي تقدم فنها لأول مرة على المسرح.
وفي خطوة هامة لدعم فنان الشوارع، بإسطنبول، كانت هناك اخبار عن انه سيُطلب من فناني الشوارع الذين لديهم معلومات ووثائق كاملة أداء عرض في المجال الذي يتقدمون إليه. وسيتم منح الفنانين المعتمدين من قبل لجنة الاختيار بطاقة "فنان الشارع".
وسوف يعرضوا على لجان، تتألف لجنة الاختيار من أعضاء مديرية الأوركسترا ، ومديرية مسارح المدينة ومديرية الأنشطة الثقافية ، وممثل عن منصة فنانى الشوارع. أولئك الذين يحق لهم الحصول على "بطاقة فنان الشارع" . وسوف يكونون قادرين على عرض أدائهم في أكثر من مجال. سيشهد سكان إسطنبول أيضًا عروضًا في المسرح ، والنحت الحي ، وتركيبات الشوارع ، وموسيقى الشوارع وغيرها الكثير. ستمنح بطاقة IMM لفناني الشوارع الملاءمة للفرع الذي يؤدون فيه. وسوف يستطيعوا التحرك بحرية. معلنين عن فنهم. بدعم كامل.
واخيرا في الشارع يحيا الجميع، المغني، والعازف، والرسام، والشاعر، والممثل، والمتذوقين من الجمهور، والحكام والنقاد، جميعهم نلتقى بهم يوميا، في وجوه العابرين بين الأزقة والحواري، الكل يَحمل فنه، وحُكمة، ونقده، وطريقه تَذوقه، لكل أنواع الفن،
فرسالة الفن تسكن في كل مكان بأثر أصحابها، سواء على جدران الشوارع، أو في كواليس المسرح، الأهم هنا أن نتقصى الراغبين في تقديم فَن حقيقي ونأخذ بأيديهم، من مؤسسات ، مجتمع مدني ، أشخاص ، مُحبين للفن، إلى نَشر براح إحساسهم بفنهم كي يترك أثراً لا يزول في نفوس المجتمع الذي لا يَطيق حياة بلا فن.
أخبار مصر


دبلوماسي تركي تبادل السفراء مع مصر رسميا خلال أيام
08/06/2023 20:05
مصر.. إنشاء 6 سجون جديدة في مدينة 15 مايو
08/06/2023 17:05
"خريطة التوريث" بتعيينات هيئة قضايا الدولة في مصر
08/06/2023 16:06
عائمات تحجب رؤية النيل أمام زوار ممشى "أهل مصر" وتحرك عاجل بالبرلمان
08/06/2023 11:58عربي ودولي


أساتذة قانون في الجامعات التونسية يطالبون بوقف “موجة القمع” والإفراج عن المعتقلين السياسيين
08/06/2023 18:20