باليوان أم الدولار؟.. نفط الخليج في معركة النفوذ الصيني الأمريكي

04 فبراير, 2023 08:36 مساءً
أخبار الغد

تدور الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة في سيناريوهات صعبة، لكن إزاحة الدولار الأمريكي يمكن أن تكون خطوة "كش ملك" في معركة الهيمنة على العالم.. وهذا السيناريو يحدث في السعودية، أكبر منتج للنفط بالعالم، بحسب تقرير لمجلة "أتالايار" الإسبانية.

تم تحديد النفوذ الذي توقعته بكين في الخليج خلال السنوات الأخيرة في الاجتماع الأخير بالرياض في 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بين الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".

"بينغ" أكد أن بلاده ستواصل شراء النفط والغاز الطبيعي المسال "بكميات كبيرة"، لكن مع تلميح بسيط: القيام بذلك باليوان العملة الصينية بدلا عن الدولار الأمريكي، وفق التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد".

والصين هي ثاني أكبر اقتصاد بالعالم والمستهلك الأكبر للنفط العالمي، وهو موقع قوي يكفي للتغلب على المشكلة حيث يتم احتساب 10٪ فقط من المعاملات العالمية باليوان.

مرت خمس سنوات منذ أن بدأت سياسة إخراج الدولار من المشهد الاقتصادي الدولي مع إنشاء "البترويوان"، ففي 2017 وافق بنك الشعب الصيني والبنك المركزي الروسي على إجراء معاملات نفطية بالعملة الصينية عبر منصة بورصة شنغهاي للنفط والغاز، وهي الخطوة الأولى لتحويل اليوان إلى عملة بترولية.

وامتد طلب الدفع باليوان مقابل النفط أيضا إلى إيران وفنزويلا، والآن إلى جميع دول مجلس التعاون الخليجي: السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر وعمان.

إلغاء دولرة الاقتصاد 

حتى تحركات "بينغ" الأخيرة، كان القليلون قد شككوا في هيمنة الدولار كعملة بلا منازع في التجارة العالمية، لكن اجتماع الزعيم الصيني مع ولي العهد السعودي يتبع بالضبط الخطوات نفسها التي اتخذتها واشنطن لتحقيق الوضع الراهن لعملتها.

ففي 1945، التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالملك السعودي عبد العزيز بن سعود على متن السفينة "يو إس إس كوينسي"، واتفقا على المعاملات النفطية بالدولار.

وأعطت الاتفاقية واشنطن امتيازات لا يمكن إنكارها، وكانت المصدر الوحيد للعملة، وألزمت جميع الدول بالاحتفاظ باحتياطيات إذا أرادوا التداول في السوق الدولية، وسهّلت تمويل العجز العام، وكان لدى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية  الأمريكي القدرة على تجميد الأصول من أي دولة تعتبر معادية، وفق الخبير "خيسوس سانشيز كوينونيس".

ومع ذلك، يبدو أن هذا التحالف الجيوسياسي يتعثر الآن. وبالنسبة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (FED) "جيروم باول" يمكن للدولار أن يشارك اليوان في الأضواء على المدى المتوسط إلى الطويل. أما بالنسبة للدعاية الصينية، فإن إلغاء دولرة الاقتصاد هو حقيقة واقعة.

كل ما تبقى هو أن يسير "بينغ" على خطى نيكسون ويجبر الرياض على شراء سندات الخزانة الصينية باليوان الذي تحصل عليه من مبيعات النفط، كما فعلت واشنطن في اتفاق سري عام 1973.

وبالنسبة لمجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، فإن استخدام اليوان له مزايا لا تقبل الجدل: أولا، اليوان الواحد يعادل 0.14 يورو وستؤدي المعاملات به إلى خفض التكاليف وجذب المزيد من الاستثمار إلى الصين بعد انخفاض أسعار الطاقة. وثانيا، لأنه يوفر طريقا للفرار من العقوبات الغربية.

فنزويلا وإيران واليمن وكوبا وبوروندي وكوريا الشمالية والصومال وليبيا هي بعض البلدان المدرجة في القائمة الطويلة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وربما يكون هذا القسيم في وزارة الخزانة الأمريكية هو أهم سلاح بيد البيت الأبيض في الأمور الاقتصادية؛ لأنه يسمح بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على أساس السياسة الخارجية الأمريكية، طالما أن السوق العالمي يحكمه الدولار.

ووضع الغزو الروسي لأوكرانيا (المستمر منذ 24 فبراير/ شباط 2022) العقوبات الاقتصادية في مقدمة وسائل الإعلام. وكان هذا هو رد الفعل الأول للغرب، وأقسى عقوبة حتى الآن ضد موسكو، وحلا جيدا لتجنب الحرب العالمية الثالثة.

أكثر من مجرد نفط

لم تعتمد الولايات المتحدة اتفاقياتها على شراء النفط فقط، فخلفه كانت شبكة من الحماية والتسليح ضمنت أمن الدولة الخليجية في المنطقة على مدى الأعوام السبعين الماضية.

تعلمت الصين من ذلك وضاعفت وعودها، حيث قدم "بينغ" وعدا لـ"محمد بن سلمان" بـ"شراكة "شاملة" تشمل الأمن والتعاون في التكنولوجيا والنقل والطاقة والمشاركة في طريق "الحرير" الجديد.

وبحسب "راؤول راميريز رويز" المؤرخ المتخصص في الصين والأستاذ بجامعة "راي خوان كارلوس" فإن زيارة "بينغ" إلى الرياض هي تحالف جديد بين الصين وجميع دول مجلس التعاون الخليجي. الاتفاقيات تتجاوز النفط. إنها تآزر بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية السعودية 2030. إنه مشروع طويل الأجل لكن مع أسس راسخة.

في المقابل، لم تطلب بكين سوى مفتاح جغرافيتها السياسية: مبدأ "الصين الواحدة" (استعادة جزيرة تايوان). وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال محمد بن سلمان إن "السعودية تدعم بكين في حماية سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها".

ومع ذلك، فإن "بينغ" ليس الوحيد الذي زار الرياض في الأشهر الأخيرة، إذ فعل الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الشيء نفسه في صيف 2022 خلال جولة رسمية بالشرق الأوسط، عندما كان هناك وضع شديد البرودة بين "محمد بن سلمان" و"بايدن" الذي وصفه بأنه "منبوذ" خلال حملته الانتخابية على مدار العام بسبب قضية (اغتيال الصحفي السعودي) جمال خاشقجي (في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018).

بالمقابل فإن ميزة الصين هي سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، بينما الولايات المتحدة تفعل العكس، وفق "رويز".

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتخذ الأمير السعودي هذه الخطوة: أعلنت منظمة "أوبك +" بقيادة السعودية أنها ستخفض إنتاجها النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا، وهو انخفاض كان في صالح روسيا لتغطية تكلفة غزوها.

وأثار القرار أجراس الإنذار في المكتب البيضاوي، حيث قال "بايدن" إنهم سيعيدون تقييم العلاقة مع الدولة الخليجية، وبعد أيام أعلن أنه "ستكون هناك عواقب"، معتبرا القرار انتكاسة للعلاقة بين البلدين لأن السعودية نأت بنفسها عن عقود طويلة من المقايضة للأمن والسلاح الأمريكي مقابل النفط الرخيص.

وبشأن نفوذ بكين في الخليج قال "رويز" إن "الصين تتمتع بالقوة لتحل محل الهيمنة العظمى لأنها تمتلك القدرة على التخطيط على المدى الطويل جدا ولأنها تقود كتلة معادية لأمريكا يتحد فيها الآن منتجو النفط في دول مجلس التعاون الخليجي".

وختاما، فإن تطبيق "البترويوان" يهدد الدولار كعملة مشتركة في السوق الدولية على المديين المتوسط والبعيد، وهذا بالفعل واقع آخر يُضاف إلى مشاكل الغرب، بحسب مجلة "أتالايار".

أخبار مصر

عربي ودولي

حقوق وحريات