د. أيمن نور .. يكتب

الليبرالية واجهت ديكتاتورية الضباط

10 سبتمبر, 2022 01:08 مساءً
د.أيمن نور
د.أيمن نور

رئيس اتحاد القوى الوطنية

أخبار الغد

لم تكن الليبرالية المصرية هشة أو هزيلة، لتسقط في أول إختبار أمام التحديات التي فرضتها حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، بل كان مفترضاً أن تسهم هذه الحركة في تخليص الليبرالية المصرية من أهم العقبات التي واجهت مسيرة تقدمها، منذ دستور 1923- وهي الملك والقصر- إلا أن الحركة التي خلصت مصر من الملك، آثرت إنفراد العسكر بالسلطة، على حساب المجتمع المدني. بعد أن تصدت بكل قوة لنسف تراث مصر الليبرالي الديمقراطي، الذي كان العقبة الحقيقية بين العسكر والشعب، بعد أن دانت لهم السلطة.

من المفارقات العجيبة أن الحركة التي أخرجت الملك، بدعوة عبثه بالدستور وإرادة الشعب "نص رسالة نجيب للملك في 26 يوليو 1952" سرعان ما حلت محل الملك في إدعاءاته القديمة لإفساد الحياة الدستورية، بل أنها استعانت بنفس القوى السياسية المعادية لليبرالية، والتي كرست حياتها في خدمة الملك في مواجهة الليبرالية المصرية- لتبيع نفس البضاع الفاسدة القديمة في ثوب جديد.

ففي اليوم التالي لخروج الملك، اجتمعت الهيئة التأسيسية للضباط لمناقشة موضوع إعادة البرلمان الشرعي وتسليمه مقاليد الحكم، ووفقاً لرواية أنور السادات في كتابه "يا ولدي هذا عمك جمال" قال أن الجيش كان منقسماً. ويقول السادات أنه شخصياً كان مع الديكتاتورية العسكرية "؟" وأن جانباً آخر كان مع الرأي الذي أعلنه الدكتور وحيد رأفت، الذي أدلى به في مجلس الدولة، واعتبر فيه التنازل عن العرش تسري عليه أحكام وفاة الملك، مما يستوجب دعوة البرلمان، وعودة الحياة الدستورية. ويؤكد السادات في مذكراته أن عبد الناصر كان أكثر المتحمسين لرأي وحيد رأفت، بل أنه هدد بالإستقالة من جميع مناصبه في حالة إصرار الجيش على الديكتاتروية؟! وتناول خالد محيي الدين هذا الموضوع في مذكراته، وأكد أنه لم يحضر هذا الإجتماع لوجوده بالإسكندرية، إلا أنّه لم يفسر تراجع عبد الناصر عن قرار الإستقالة رغم أنه أعلنها في إجتماع 27 يوليو إحتجاجاً على الرأي الذي انتهى إليه الإجتماع؟!

لم يكن تراجع عبد الناصر فقط في الإستقالة، بل أن موقفه من عودة الحياة النيابية تحول إلى النقيض تماماً.. وأصبح داخل حركة الضباط إتجاه يقوده عبد الناصر مع الديكتاتورية، وإتجاه آخر يمثله نجيب ورشاد مهنا مع الليبرالية، ومجموعة أخيرة يمثلها خالد محيي الدين ويوسف صديق تؤمن بعودة الليبرالية السياسية مع التحفظ بشأن الجانب الإقتصادي منها..

وانتصر بالطبع الفريق الأول الذي بدأ معركته مع الليبرالية في 31 يوليو 1952 عندما وجه الدعوة للأحزاب بأن تقوم بتطهير نفسها، بهدف ضربها داخلياً، وتمزيقها إرباً.. ورغم إستجابة الأحزاب للمحافظة على دستور البلاد ومستقبلها الليبرالي، إلاّ أنّ الضباط لم يتقبلوا ما تم من تغيرات لاستيعاب الموقف، وأعلنوا رفضهم المشاكل الذي تم به ما أسموه بالتطهير، واعتبروا التطهير الكامل شرطاً لعودة الليبرالية والحكومة البرلمانية.. وقال أحمد أبو الفتح في مقاله بتاريخ 7 سبتمبر 1952 ما المقصود بالتطهير؟ وما هي حدوده؟ ومعاييره؟ أم أن الأمر يقصد به التعجيز؟ فأين أنت أيها الدستور.

وفي اليوم التالي لمقال أبو الفتح جاءت الإجابة واضحة، فتم إعتقال قيادات الليبرالية المصرية، وفي مقدمتهم فؤاد سراج الدين، وتشكيل حكومة جديدة من الضباط. وبعد ساعات صدر قانون 179 بتنظيم الأحزاب السياسية وأعطى الحق للضباط في الإعتراض على أي حزب، ودفع الوفد بعدم دستورية هذا المرسوم بقانون، وشهدت مصر أعظم مناظرة قانونية ديمقراطية بين الليبرالية والديكتاتورية أمام محكمة القضاء الإداري التي نظرت القضية التي ترافع فيها محمد صلاح الدين وإبراهيم فرج، مؤكدين أن الثورة لم تكن ضد الدستور بل ضد أوضاع اعتدى بها على الدستور.. ومؤكدين أن حركة الجيش "الثورة" بدأت الأربعاء 23 يوليو وانتهت السبت 26 منه بنزول الملك عن العرش.

وقال ابراهيم فرج قولته المشهورة لمحامي الضباط "لا أنت ولا اسماعيل حافظ تملك حلّ الوفد، فالوفد تحله الأمة وتبقية الأمة"، ورغم أن الوفد قدم أوراقه وفقاً للقانون الجديد في 6 أكتوبر 1952 وسط جدل واسع، وعسف بالغ من قبل الضباط، إلاّ أنّ الفترة ما بين 9 سبتمبر 1952 يوم صدور قانون تنظيم الأحزاب، حتى حلها في 18 يناير 1953 شهدت اشتباكاً حقيقياً وعنيفاً بين الليبرالية ممثلة في الوفد والديكتاتورية ممثلة في الضباط الذين أعلنوا عن فترة إنتقال في 18 يناير، ولمدة ثلاث سنوات، تحل فيها الأحزاب، وتصبح كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في يد حركة الجيش ولا تخضع لأي رقابة تمهيداً لإعلان الجمهورية الذي تم في 18 يونيه 1953..

أخبار مصر

عربي ودولي

حقوق وحريات