إيران ترفض المقترح الأميركي بنقل اليورانيوم المخصب إلى روسيا وتلوّح برد فعل حاسم

في تطور لافت ضمن مسار المحادثات النووية المتعثرة، كشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن إيران تعتزم رفض مقترحًا تقدمت به الولايات المتحدة يقضي بنقل مخزوناتها من اليورانيوم المخصب إلى دولة ثالثة، يُرجّح أن تكون روسيا. هذه الخطوة التي تسعى واشنطن لفرضها، تأتي في إطار محاولات إعادة ضبط البرنامج النووي الإيراني والحد من قدراته التقنية، وسط قلق متزايد من تطور هذا البرنامج إلى مستويات قد تمكّن طهران من إنتاج سلاح نووي، حسب الرؤية الغربية.
وبحسب ما نقلته الصحيفة، فإن هذه المسألة كانت محورًا رئيسيًا في الجولة الأولى من المحادثات الأخيرة، والتي جمعت بين المبعوث الأميركي الخاص إلى الملف النووي، فيتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وخلال اللقاء، أبدت إيران موقفًا حازمًا، رافضة بشكل قاطع فكرة إخراج اليورانيوم المخصب من أراضيها، مؤكدة أن مخزونها سيبقى تحت “رقابة دقيقة ومستمرة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وأن هذا جزء من سيادتها الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها.
الرفض الإيراني، بحسب مراقبين، لا ينطلق فقط من اعتبارات فنية، بل من خلفية سياسية وتجربة مريرة سابقة. إذ ترى طهران أن وجود اليورانيوم المخصب داخل حدودها يشكل أداة ضغط مشروعة في حال تراجعت الولايات المتحدة عن التزاماتها كما حدث في عام 2018، حين انسحب الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، مما أدخل البلاد في أزمة اقتصادية خانقة وأعاد العقوبات الأميركية بشكل أشد.
وقد عبّر المسؤولون الإيرانيون، وفقًا للجارديان، عن قلقهم من تكرار السيناريو نفسه، وأكدوا أن إيران لن تكون في وضع يسمح لها باتخاذ رد فعل رادع إذا تم سحب كل المواد النووية خارج أراضيها، ثم انسحبت الولايات المتحدة مرة أخرى من الاتفاق. في هذه الحالة، حسب الرؤية الإيرانية، سيكون الرد ضعيفًا، وستخسر طهران أحد أهم أوراق الضغط في مواجهة الغرب.
مصادر دبلوماسية مطلعة أشارت إلى أن واشنطن تسعى من خلال هذا المقترح إلى بناء “آلية ردع مسبق” تمنع طهران من استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية في حال فشل الاتفاق، إلا أن طهران ترى في هذا الطلب محاولة لانتزاع حق سيادي لا تملكه أي دولة أخرى في الاتفاق، وتعتبره تكرارًا لنمط الوصاية الأجنبية الذي ترفضه بقوة.
في المقابل، لم تصدر موسكو أي تعليق رسمي حتى الآن حول إمكانية لعب دور الدولة الثالثة التي ستستضيف اليورانيوم الإيراني، لكن مراقبين يرون أن قبول روسيا بذلك سيضعها في موقف حساس، خاصة في ظل تصاعد التوترات بينها وبين الغرب بسبب ملفات أخرى مثل أوكرانيا وأمن الطاقة.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الخلاف إلى تعقيد المحادثات النووية التي تسير ببطء، وسط ضغوط داخلية على الإدارة الأميركية من جانب الجمهوريين الذين يرفضون تقديم أي تنازلات لإيران، وضغوط مشابهة على القيادة الإيرانية من تيارات محافظة ترى أن الغرب غير جدير بالثقة.
في النهاية، يُظهر هذا الملف أن المفاوضات لم تعد مجرد حوار تقني حول نسب التخصيب وكمية اليورانيوم، بل تحوّلت إلى صراع إرادات وسيادة وذاكرة تاريخية مثقلة بالخذلان. ويبقى السؤال: هل تنجح الأطراف الدولية في إيجاد صيغة تحفظ ماء وجه الجميع وتجنب المنطقة جولة جديدة من التصعيد؟ أم أن الانفجار بات أقرب مما نتصور؟