
تتجلى مرآة الفن أحيانًا بصفاء لا يرحم، فيكشف لنا ما يحاول الكثيرون إخفاءه خلف ستائر السلطة والنفوذ. اختارت السينما في لحظة صدق أن تفضح الطبال الذي أراد أن يكون مركز المعبد، لا تابعًا في الزاوية، فصعد فوق المسرح على أكتاف الراقصة .. لم يكن هذا مجرد مشهد درامي، بل كان تمهيدًا لواقع مخجل عشناه، وندفع ثمنه حتى الآن.
تسلل الطبال من تحت إيقاع الأغاني الرديئة، وراح يطرق أبواب السياسة كما يطرق الدرامز في الكباريه، ملوثًا كل ما يلمسه.
لم يكن يسعى للعدل، بل للضوء .. لم يطلب الإنصاف، بل المنصة .. وجد أن في حضور الراقصة طريقًا مختصرًا لاختراق الأسوار العالية، وأن في الرقص السياسي فرصًا أكبر من أي عرض موسيقي .. ونجح للأسف الشديد.
تمددت أصابعه وسط حالة شلل أخلاقي أصابت القيادة التي يفترض بها أن تحمي حزب المزاريطة، لا أن تخضع للابتزاز.
صمتت الأفواه، وتجاهلت العيون كل ما كان يُعرض جهارًا، بلا حياء .. لا أحد تجرأ على قول الحقيقة .. أن الحزب وقع رهينة لشخص استباحه واستباح موارده، وفرض سطوته رغم فضائحه المتعددة، والتي لم تعد خافية على أحد.
استغل الثغرات، وتلاعب بالقوانين، ولم يجد من يردعه. تحرك في الظل، لكنه تحكم في الضوء. علّق يده على كل قرار، ورفض أن يغادر حتى بعد أن تم عزله.
بل إن العزل نفسه لم يكن أكثر من تمثيلية هزلية، إذ سرعان ما عاد من الباب الخلفي، بتوقيع أحدهم الذي ارتضى أن يكون مجرد واجهة، رغم ما كان يُقال عن مكانته.
أفسد الهيكل الإعلامي، وعبث بصحيفة الحزب حتى صارت مرتعًا لفوضى لا مهنية، تابعة لا مستقلة .. وتحوّل المكان الذي وُجد من أجل كشف الحقائق إلى بوق يبرر، يُلمّع، ويداري الفضائح بدل أن يكشفها. لم تكن الصحافة خائنة، بل خُوّنت.
أدار المعركة من خلف ستار، واستمر في السيطرة، رغم ديونه المتراكمة، ورغم افتضاح أمره مرارًا .. لم يسدد ما عليه، ولم يسأله أحد .. لماذا؟ بل سُمح له بالبقاء، وكأن القانون لا ينطبق عليه، أو أن هناك من يخاف من محاسبته. تلك هي المأساة الحقيقية.
استسلمت القيادة، أو بالأحرى شاركت في الجريمة بالصمت .. لم تعد المسألة مسألة شخص، بل مسألة منظومة كاملة تهرب من المواجهة، وترفض الإصلاح. تماهى الجميع مع الفساد، وكأن السقوط صار سياسة معتمدة.
حطّم القواعد، وأهان التقاليد، وسخر من المبادئ. لم يكن السياسي المثالي، بل كان تجسيدًا للزيف. ومع ذلك، صعد، وتحكّم، واستمر، لأن من يفترض بهم أن يكونوا الحصن صاروا الباب المفتوح لكل من يريد أن يعبث.
عاد مشهد الفيلم مجددًا. تلك العلاقة القذرة بين الراقصة والسياسي لم تكن خيالًا، بل كانت نبوءة .. نبوءة تحققت عندما اجتمع الفساد مع الجبن، وتزوج المال بالنفوذ، فولدت منظومة مشوهة لا تحترم القيم، ولا تخاف من العقاب.
أنقذت السينما كرامتنا حين رفضت أن تصمت .. قالت ما لا نستطيع قوله .. أما نحن، فقد فشلنا حين خضعنا، حين سمحنا لمن كان مجرد طبال أن يتحول إلى صانع قرار، وحين تجاهلنا تحذير الفن، حتى صارت الحياة أكثر عبثًا من سيناريو فيلمي الراقصة والطبال، والراقصة والسياسي.