مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: تعديلات قانون الدوائر الانتخابية تهدد بانهيار الديمقراطية المصرية

تشهد الساحة السياسية المصرية حراكًا غير مسبوق مع التعديلات المقترحة في قانون الدوائر الانتخابية، تعديلات تبدو وكأنها خطة خبيثة لإعادة تشكيل المستقبل السياسي بشكل يُغرق الديمقراطية في بحر من التحالفات الحزبية الكبرى ويقطع الصلة بين الناخبين وممثليهم.

لا يمكن إلا أن أرى هذه التعديلات كنذير كارثة ستؤثر سلبًا على حرية الاختيار والتمثيل الشعبي، وتفتح الباب واسعًا أمام التهميش السياسي والإقصاء غير المسبوق.

تعدّل القوى السياسية الكبيرة القانون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب تمثيل الشعب الفعلي. توسّع الدوائر الانتخابية وتقليص عددها، ليس إلا ذريعة لتوسيع نفوذ الأحزاب الكبرى وتهميش الأصوات الفردية والمستقلة التي تمثل روح الديمقراطية الحقيقية.

كيف يمكن للنائب الذي يمثل دائرة عملاقة أن يكون قريبًا من الناس أو يستمع إليهم؟ يكاد يكون من المستحيل أن يتابع مشاكلهم اليومية، مما يهدد بإضعاف التمثيل المحلي وجعل البرلمان بعيدًا عن نبض الشارع.

تفشل التعديلات المقترحة في الحفاظ على التوازن بين القوى السياسية والمواطنين. تأتي خطوة تقليص عدد المقاعد الفردية لتعزيز نظام القوائم المغلقة وكأنها صفعة في وجه كل من يأمل في التغيير.

إن حرمان الناخبين من اختيار مرشحهم الفردي بشكل مباشر هو بمثابة سلب حقهم الأساسي في المشاركة السياسية الفعلية، وجعل العملية الانتخابية لعبة في أيدي كبار الأحزاب الذين سيتحكمون بكل شيء.

تفرض التعديلات على المواطنين القبول بتغييرات جذرية تهدد بتقليص مساحة الحرية السياسية. كيف يمكن لهذه التعديلات أن تعكس حقيقة احتياجات الشارع؟ إنها خطوة مقلقة نحو مركزة السلطة في أيدي القلة.

كلما توسعت الدائرة الانتخابية، قلّت قدرة الناخبين على معرفة مرشحيهم بشكل حقيقي، مما يدفع باتجاه نظام أكثر غموضًا وتعقيدًا يضعف العلاقة بين الناخب والنائب.

تفشل الدولة في ضمان تمثيل عادل للفئات المهمشة. تعاني الفئات المهمشة، كالنساء والشباب والأقليات، من غياب تمثيل حقيقي في النظام الانتخابي الحالي، وتزيد هذه التعديلات من تعقيد الأمور بدلاً من تقديم حلول عادلة.

يحتاج هؤلاء إلى صوت قوي داخل البرلمان، وليس إلى تقسيمات إدارية تعرقل فرصتهم في الوصول إلى منصات صنع القرار.

تُفتقد العدالة في تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس التركيبة السكانية فقط. لا يكفي النظر إلى الأرقام والتعدادات عند تقسيم الدوائر، بل يجب الأخذ في الاعتبار الجغرافيا والاقتصاد وحاجات كل منطقة على حدة.

مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة قد تُهمل تمامًا في هذا التقسيم الجديد، مما يزيد من الفجوة بين المركز والأطراف ويعزز مشاعر التهميش والإقصاء.

تغلق هذه التعديلات الباب أمام الكفاءات الوطنية المستقلة والشابة. تَحد هذه التعديلات من قدرة الطامحين في الترشح على خوض غمار الانتخابات بشكل مستقل

النظام الجديد يفضل التحالفات الحزبية الكبرى ويجعل من المستحيل تقريبًا على الأفراد البارعين في مجالاتهم دخول الساحة السياسية بدون مظلة حزبية قوية، مما يضيع فرصة تحقيق إصلاح حقيقي.

تشوّه التعديلات المقترحة مبدأ الديمقراطية وتحوّله إلى واجهة مزيفة. تكمن خطورة هذا القانون في أنه يختزل الانتخابات في صراع بين الأحزاب الكبرى، مع ترك المواطنين العاديين يعانون من غياب التواصل مع نوابهم.

الديمقراطية ليست مجرد إجراء انتخابات، بل هي تمكين المواطنين من التأثير على مصيرهم، وهو ما ستفشل هذه التعديلات في تحقيقه.

تفتح هذه التعديلات الباب أمام تلاعب مستقبلي غير مسبوق بالعملية الانتخابية. كيف يمكننا ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات في ظل هذا النظام المشوّه؟ إن فتح الباب واسعًا أمام الأحزاب للتحكم الكامل في اختيار المرشحين والقوائم المغلقة يعزز احتمالات التلاعب، ويقضي على أي أمل في تحقيق انتخابات نزيهة تمثل جميع فئات الشعب.

تؤدي التعديلات المقترحة إلى خلق فجوة سياسية أكبر بين المواطنين والحكومة. كلما أصبح التمثيل البرلماني أكثر تعقيدًا وأقل شفافية، كلما فقد المواطنون ثقتهم في النظام السياسي.

ستؤدي هذه التعديلات إلى تعزيز مشاعر الإحباط واليأس لدى الناخبين الذين سيشعرون بأن صوتهم لا قيمة له في ظل سيطرة النخب السياسية.

تواجه هذه التعديلات معارضة شرسة من قبل القوى المستقلة. تتزايد الأصوات الرافضة لهذه التعديلات الكارثية التي تُعتبر محاولة لإقصاء كل من لا يتبع خطًا حزبيًا واضحًا.

تدرك الكفاءات الشابة والمستقلة أن النظام الجديد سيعقد مساعيهم في الوصول إلى البرلمان ويجعل الطريق مليئًا بالعراقيل.

حيث تفرض هذه التعديلات سؤالًا جادًا هل نسعى إلى تعزيز الديمقراطية أم نريد خلق نظام انتخابي زائف؟ علينا أن نرفض هذه التعديلات بصوت عالٍ، وأن ندافع عن حق المواطنين في اختيار ممثليهم بشكل مباشر وشامل.

كل خطوة نحو تقليص التمثيل الشعبي هي خطوة نحو كبت الحريات، وكل تضييق على فرص الأفراد في الترشح هو انتهاك لمبدأ التعددية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى