محافظة المنيا: عراقة التاريخ وتنوع الاقتصاد وكنوز أثرية فريدة تزين صعيد مصر

تتميز محافظة المنيا، الواقعة في قلب صعيد مصر، بتنوعها الثقافي والاقتصادي، ما بين آثار تاريخية تشهد على حضارات متعاقبة وزراعة وصناعة مزدهرة.
تمتد جذورها في عمق التاريخ، بدءًا من الفراعنة وصولاً إلى العصور الإسلامية والمسيحية، مما يجعلها وجهة سياحية وأثرية فريدة.
الموقع الجغرافي لمحافظة المنيا
تقع محافظة المنيا في موقع متميز بين محافظتي بني سويف من الشمال وأسيوط من الجنوب. ترتبط بصعيد مصر، وتُعد عاصمتها مدينة المنيا، وتمثل المنيا قلب الصعيد بفضل موقعها المتوسط. تشتهر بأنها عروس الصعيد لجمالها الطبيعي وآثارها التاريخية العريقة، ما يجعلها واحدة من أهم محافظات مصر.
تاريخ محافظة المنيا
عرفت المنيا منذ العصر الفرعوني، حيث عبد أهلها الإله “تحوت”، الذي كان إله الحكمة والمعرفة. شهدت المحافظة عبر العصور تطورًا ثقافيًا ودينيًا، ففي العصر القبطي، بُنيت كنيسة السيدة العذراء التي تزامنت مع بناء كنيسة القيامة في القدس. وعندما دخل الإسلام مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، أصبحت المنيا مركزًا لنشر الإسلام وتشييد المساجد.
أصل اسم محافظة المنيا
جاء اسم المنيا من الكلمة الهيروغليفية “مِنعه”، والتي تعني “المنزل”. اشتقت هذه الكلمة من اسم مرضعة الملك خوفو، الذي ذُكر في نقوش مقابر بني حسن. ومع مرور الزمن، تطور الاسم إلى “منه” في اللغة القبطية ثم إلى “المنيا” كما هو معروف اليوم.
التقسيم الإداري لمحافظة المنيا
تنقسم محافظة المنيا إلى تسعة مراكز إدارية رئيسية، تضم كلًا من مغاغة، بني مزار، مطاي، سمالوط، مدينة المنيا، أبو قرقاص، ملوي، دير مواس، والعدوة. تحتوي هذه المراكز على وحدات قروية وعزب ونجوع، بالإضافة إلى مدينة المنيا الجديدة.
الاقتصاد في محافظة المنيا
تعتمد المنيا بشكل رئيسي على الزراعة والصناعة، حيث تمثل الزراعة 6.5% من مساحة الأراضي الزراعية في مصر. من أهم المحاصيل الزراعية في المحافظة القطن والقمح والذرة وقصب السكر. تشتهر المنيا أيضًا بالصناعات المتنوعة مثل صناعة الأسمنت الأبيض والأسود في سمالوط، ومحاجر الحديد والصلب والرخام في مراكزها المختلفة. كما تحتضن مصانع تعبئة الغاز الطبيعي ومصانع الزيوت والسكر في مدنها.
السياحة والمعالم الأثرية في محافظة المنيا
تتميز محافظة المنيا بتراثها التاريخي العريق، إذ تحتوي على العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى العصور الفرعونية، الرومانية، القبطية والإسلامية.
تشمل هذه المواقع معابد فرعونية مثل معبد الملكة حتشبسوت في تل العمارنة، ومقابر فرعونية مثل مقبرة إيزادورا في منطقة تونا الجبل.
كما تضم المحافظة مجموعة من الأديرة المسيحية مثل دير السيدة العذراء ودير الأنبا صموئيل، بالإضافة إلى مساجد أثرية كمسجد العمراوي واللمطي من العصر الفاطمي.
المواقع الأثرية في محافظة المنيا
تزخر المنيا بالعديد من المواقع الأثرية البارزة التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم. تقع منطقة الإشمونين على بعد 8 كم غرب ملوي وتحتوي على آثار يونانية ورومانية.
وتشتهر منطقة تل العمارنة بأنها العاصمة التي أسسها الملك إخناتون لعبادة الإله “آتون”. كما تميز منطقة بني حسن بوجود 39 مقبرة منحوتة في الصخر لأشراف حكام المدينة في العصر الفرعوني.
المساجد الأثرية في المنيا
شهدت المنيا بناء العديد من المساجد التاريخية التي تعود إلى مختلف العصور الإسلامية. من بين هذه المساجد مسجد العمراوي واللمطي، اللذان يعودان إلى العصر الفاطمي.
كما يحتوي مسجد الشيخ عبادة بن الصامت في ملوي على مئذنتين تعودان للعصر الأيوبي والعثماني. وتُعد هذه المساجد شاهدًا على تاريخ المنيا الإسلامي.
الأديرة الأثرية في محافظة المنيا
تحتوي المنيا على مجموعة من الأديرة الأثرية التي تجذب الزوار من مختلف الطوائف المسيحية. يقع دير السيدة العذراء على بعد 25 كم شمال شرق مدينة المنيا، وهو من المواقع التي مرت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها إلى مصر.
وتحتوي كنيسة الدير على مجموعة من الأيقونات التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي. بالإضافة إلى ذلك، يوجد دير الأنبا بيشوي ودير أبو فانا، واللذان يتميزان بتاريخ يعود إلى القرون الأولى من العصر المسيحي.
عيد المنيا القومي
تحتفل محافظة المنيا بعيدها القومي يوم 18 مارس من كل عام، إحياءً لذكرى انتفاضة أهل المنيا ضد الاحتلال الإنجليزي. في ذلك اليوم من عام 1919، قامت مجموعة من الثوار بحرق قطار يحمل مفتش السجون الإنجليزي “بوب” كجزء من الاحتجاجات التي اندلعت في صعيد مصر ضد الاستعمار. تم تخليد هذا الحدث ليصبح يومًا وطنيًا يحتفل به أهل المنيا سنويًا.
المساحة وعدد السكان
تبلغ المساحة الكلية لمحافظة المنيا حوالي 32,279 كم²، ما يمثل 3.2% من إجمالي مساحة الجمهورية. ووفقًا لإحصاءات عام 2022، بلغ عدد سكان المنيا حوالي 6,223,484 نسمة، موزعين على المراكز والقرى المتعددة في المحافظة.

الشعار والرموز
اتخذت محافظة المنيا رأس الملكة نفرتيتي شعارًا لها، كونها رمزًا للجمال والحكمة. نفرتيتي كانت زوجة الملك إخناتون، مؤسس مدينة “أخيتاتون” التي تُعرف اليوم بتل العمارنة، والتي لعبت دورًا هامًا في التاريخ المصري القديم.
تعتبر محافظة المنيا ليست فقط مدينة تاريخية بل أيضًا شاهدًا حيًا على تطور الحضارات في مصر، بما تحويه من آثار ومعالم تاريخية تجمع بين عبق الماضي وتطور الحاضر.
تظل محافظة المنيا شاهدة على عظمة الحضارات القديمة ومستقبلاً واعدًا بفضل مواردها الزراعية والصناعية الغنية.
بتعدد معالمها الأثرية والتاريخية، تواصل المنيا دورها كعروس الصعيد، تمزج بين تراثها العريق وحاضرها المزدهر، مما يعزز مكانتها كواحدة من أهم محافظات مصر.