تقاريرذاكرة التاريخ

محافظة الفيوم: أكبر واحة طبيعية في مصر

تتمتع محافظة الفيوم بتنوع جغرافي وتاريخي يجعلها من أبرز محافظات مصر. تجمع بين الواحات الخضراء والصحارى الساحرة، وتحتضن آثاراً تمتد من عصور الفراعنة حتى العصر الحديث.

بفضل مناخها المعتدل ومعالمها الطبيعية الفريدة، تظل الفيوم وجهة سياحية جذابة لمحبي التاريخ والطبيعة معًا.

التعريف بالمحافظة: تُعَدُّ محافظة الفيوم واحدة من أكبر الواحات الطبيعية في مصر، تقع في إقليم شمال الصعيد، وتحدها من الجنوب الشرقي محافظة بني سويف ومن الشمال محافظة الجيزة.

تتميز المحافظة بتاريخها العريق وموقعها الجغرافي الفريد، حيث تحيط بها الصحراء من كل الجهات باستثناء الجنوب الشرقي. عُرِفَت الفيوم بتاريخها الغني وآثارها المتنوعة التي تمتد عبر العصور الفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية، مما جعلها من أهم المناطق السياحية في مصر.

الاسم وأصله: اختلفت الأقاويل حول أصل اسم الفيوم، فكانت تُعرَف في العصور القديمة باسم “Chdat” أو “Chedit” أي الجزيرة، نظرًا لوقوعها وسط بحيرة موريس (التي تعرف الآن ببحيرة قارون).

أطلق عليها الرومان اسم “Crocodilopolis” نسبة إلى معبودهم التمساح. تغير اسمها عبر العصور، حيث أطلق عليها البطالمة اسم “أرسينوي” تكريمًا لزوجة بطليموس الثاني، أما القبط فأطلقوا عليها اسم “Piom” التي تعني بلاد البحيرة، ومنها اشتُقَّ الاسم العربي “الفيوم”.

التاريخ: شهدت الفيوم تطورات تاريخية متعددة، حيث كانت في العصر الفرعوني جزءاً من المقاطعة العشرين في صعيد مصر.

استمرت الحضارة في الازدهار في العصور البطلمية والرومانية. عُرِفَت الفيوم كواحدة من أهم مراكز الصيد والزراعة في العصور القديمة بفضل موقعها حول بحيرة موريس.

خلال الفتح الإسلامي لمصر، أرسل عمرو بن العاص حملة لفتح الفيوم، لكن هناك اختلاف بين المؤرخين حول توقيت ذلك. شارك أبناء الفيوم في النضال ضد الاحتلال الإنجليزي خلال ثورة 1919 بقيادة حمد باشا الباسل، وقد تم اعتبار يوم 15 مارس عيدًا قوميًا للمحافظة.

الجغرافيا والمناخ: تقع الفيوم في منخفض عميق ضمن الصحراء الغربية وتعتبر جزءًا من وادي النيل بفضل ترعة بحر يوسف التي تتصل بالنيل. تغطي مساحة المحافظة 6068.70 كيلومترًا مربعًا.

أراضيها تنحدر تدريجيًا من الجنوب إلى الشمال، مما يخلق مدرجات أرضية طبيعية. يُعَدُّ مناخ الفيوم معتدلاً طوال العام، مما يجعلها وجهة مثالية للسياحة البيئية.

المعالم الطبيعية والأثرية:

بحيرة قارون: تُعَدُّ بحيرة قارون الأثر الباقي من بحيرة موريس القديمة، وهي واحدة من أقدم البحيرات الطبيعية في العالم.

تم إعلانها محمية طبيعية عام 1989، وتحتوي على رواسب حفرية يعود تاريخها إلى 40 مليون سنة، ما يجعلها موقعًا هامًا للدراسات الجيولوجية.

محمية وادي الريان: تتميز محمية وادي الريان بجمالها الطبيعي وشلالاتها الشهيرة. تشتهر المحمية بكونها موطنًا للحيوانات البرية والطيور المهاجرة النادرة. تعتبر المحمية واحدة من أبرز مناطق السياحة البيئية في مصر.

محمية وادي الحيتان: تضم محمية وادي الحيتان بقايا أحفورية تعود لأكثر من 40 مليون سنة، حيث تكشف هذه الأحافير عن تطور الحيتان من كائنات برية إلى بحرية. يعتبر هذا الوادي متحفًا طبيعيًا مفتوحًا وهو موقع مُعترف به عالميًا من قبل منظمة اليونسكو.

المعالم الأثرية:

قصر اللابرنت: بنى الملك أمنمحات الثالث قصر اللابرنت بجوار هرم هوارة. كان القصر يتميز بتصميمه الفريد حيث يحتوي على 12 بهوًا و300 حجرة، بعض هذه الحجرات كانت مخصصة لضريح الملك. لم يتبق من هذا القصر سوى أعمدة الطابق العلوي.

قصر قارون: يقع قصر قارون في الطرف الجنوبي الغربي من بحيرة قارون، وقد تم بناؤه خلال العصر الروماني. يحتفظ القصر بتفاصيله المعمارية الرائعة ويعد من المعالم البارزة في الفيوم.

المساجد والأديرة: تضم الفيوم مجموعة من المساجد التاريخية مثل مسجد الأمير سليمان المعلق ومسجد خوند أصلباي المعروف باسم مسجد قايتباي. كما يوجد دير العزب الذي يعود تاريخه للعصر الروماني ويُعتبر مكانًا دينيًا مهمًا.

السكان والاقتصاد: يبلغ عدد سكان محافظة الفيوم حوالي 4 ملايين نسمة وفقًا لإحصائيات 2022. يعتمد سكان المحافظة بشكل رئيسي على الزراعة بفضل توافر المياه من ترعة بحر يوسف وخصوبة التربة. تُعَدُّ الفيوم من أهم المراكز الزراعية في مصر.

السواقي: اشتهرت الفيوم بسواقي الهدير التي تُعَدُّ رمزًا للمحافظة. تم ابتكار هذه السواقي منذ أكثر من ألفي عام وتُستخدم لرفع المياه لري الأراضي الزراعية.

المتاحف:

متحف كوم أوشيم: يقع متحف كوم أوشيم في مدينة كرانيس الأثرية ويضم مجموعة من الآثار التي تعكس تاريخ الفيوم على مر العصور.

متحف الكاريكاتير: أُنشِئَ متحف الكاريكاتير في قرية تونس المطلة على بحيرة قارون ويضم مجموعة فنية متنوعة لفناني الكاريكاتير المصريين.

شعار محافظة الفيوم

الاحتفالات والعيد القومي: تحتفل محافظة الفيوم بعيدها القومي في 15 مارس من كل عام، حيث يخلد هذا اليوم ذكرى وقوف أبناء المحافظة ضد الاحتلال الإنجليزي خلال ثورة 1919.

يتزامن هذا الاحتفال مع ذكرى إتمام مشروع وادي الريان لحل مشكلة الصرف في بحيرة قارون وربط بحيرتي وادي الريان.

أعلام محافظة الفيوم

تعتبر محافظة الفيوم موطنًا لعدد من الأعلام والشخصيات البارزة في مختلف المجالات، حيث قدمت نخبة من القادة والفنانين والرياضيين الذين تركوا بصمة في تاريخ مصر. من بين هؤلاء:

زكريا أحمد، الموسيقي والملحن الكبير الذي أثرى الحياة الفنية بألحانه الخالدة.

صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق والذي شغل منصب رئيس مؤقت لجمهورية مصر العربية.

إبراهيم بن موسى الفيومي، شيخ الأزهر الأسبق وأحد الشخصيات البارزة في الأزهر الشريف.

حمد باشا الباسل، أحد أبرز زعماء حزب الوفد وزعيم مشارك في ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني.

يوسف وهبي، فنان وممثل قدير يُعد أحد أعمدة الفن المسرحي والسينمائي في مصر.

مريم فخر الدين ونجلاء فتحي، فنانتان كبيرتان أضاءتا الشاشة المصرية بأدوارهن المتألقة على مر العقود.

علي والي ويوسف والي، الأول شغل منصب وزير البترول الأسبق، والثاني كان وزيرًا للزراعة وله دور كبير في تطوير القطاع الزراعي.

أحمد والي، سفير مصر الأسبق في الدنمارك.

كما برز عدد من الرياضيين في مجال كرة القدم مثل سيد عبد الحفيظ، سيد معوض، محمد عبد الوهاب، أحمد صديق، السيد حمدي، وصبري رحيل، الذين تألقوا في صفوف النادي الأهلي والزمالك، وحققوا العديد من الإنجازات الرياضية.

تمثل هذه الشخصيات نخبة من أبناء محافظة الفيوم الذين ساهموا في بناء مصر في مختلف المجالات، من السياسة إلى الفن والرياضة.

تُجسِّد الفيوم بعناصرها الطبيعية والتاريخية والجغرافية صورة مصغرة لمصر بما تحتويه من تنوع بيئي وثقافي يجعلها وجهة سياحية وثقافية بارزة في البلاد.

تستمر محافظة الفيوم في الحفاظ على تراثها الغني وطبيعتها الخلابة، مما يجعلها رمزاً للتنوع والتاريخ المصري. بتنوعها البيئي ومعالمها السياحية الرائعة، تظل الفيوم قلباً نابضاً بثقافة الماضي والحاضر، ووجهة مفضلة لكل من يرغب في استكشاف جمال مصر الطبيعي وتاريخها العريق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى