“إعلان طرابلس” يشيد بمسار سوريا في احتضان مختلف مكوناتها خلال لقاء سياسي موسّع بطرابلس

عقد رئيس الحكومة اللبناني السابق نجيب ميقاتي لقاءً سياسيًا موسّعًا في مدينة طرابلس بمشاركة رؤساء الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة. تناول اللقاء انعكاسات الأحداث السورية الأخيرة على المشهد اللبناني عامة، وعلى منطقة الشمال تحديدًا، وسط إشادة واضحة بما وصفوه بـ”التوجّه السوري نحو احتضان مختلف مكونات الشعب.”
خلال اللقاء، أشار المجتمعون إلى التحديات الحاصلة في أعقاب الاضطرابات الأمنية الأخيرة التي شهدتها محافظتا اللاذقية وطرطوس، فضلًا عن التداعيات الميدانية في الشمال اللبناني مع تزايد أعداد النازحين السوريين الجدد إلى أكثر من 8500 نازح، بينهم عائلات لبنانية من الطائفة العلوية. كما تطرّق الحاضرون إلى الأوضاع الداخلية اللبنانية من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومدى تأثير تصاعد التوتر في سوريا على استقرار لبنان.
وأكّد المشاركون في اللقاء ضرورة تكثيف الجهود الرسمية والشعبية على جانبي الحدود للتصدي لأي تداعيات محتملة، وتشديد التعاون لضمان احتواء عواقب الهجمات الأخيرة في الساحل السوري، خصوصًا تلك التي شهدتها محافظتا اللاذقية وطرطوس في 6 مارس/ آذار، والتي تسببت بسقوط ضحايا وجرحى.
صدر في ختام اللقاء ما أُطلق عليه “إعلان طرابلس”، الذي أدان الأحداث الدامية الواقعة في القرى والمناطق الساحلية السورية، محذّرًا من خطورة تداعياتها وانعكاساتها على النسيجين السوري واللبناني. كما أشاد الإعلان بالجهود السورية الأخيرة التي تكلّلت بإنهاء حقبة طويلة من حكم حزب البعث، مؤكدًا أهمية تمكين مختلف المكوّنات السورية من المشاركة الفاعلة في المرحلة المقبلة، بعد أن سيطرت الفصائل السورية على البلاد منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وفي هذا السياق، قال رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي:
“إنّ لبنان، بتعدديته السياسية والمجتمعية، رسّخ على مرّ تاريخه قيم الانفتاح والتضامن مع جيرانه. وندعو اليوم جميع القوى الفاعلة إلى مواصلة التعاون من أجل مصلحة البلدين.”
من جهته، علّق رئيس الحكومة السابق تمام سلام قائلًا:
“يُعتبر إعلان طرابلس تأكيدًا لحرصنا على أمن المنطقة واستقرارها، وعلى أهمية تكامل الجهود بين مختلف الأطراف لمواجهة التطورات الراهنة.”
واختتم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بقوله:
“إن الأحداث الأخيرة في سوريا تلقي بثقلها على الداخل اللبناني، ونأمل أن تساهم هذه المبادرات في تعزيز الحوار وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات.”
وأثنى المجتمعون على توجّهات الحكومة السورية وإجراءاتها، مع التشديد على جمع واحتضان مختلف مكونات سوريا الوطنية، والحفاظ على وحدة وكامل التراب السوري، والعمل على استتباب الأمن وإحلال الأمان وبسط سلطة الدولة السورية الحصرية والكاملة على كل أراضيها ومرافقها.
كما أشادوا بإعلان الحكومة السورية العمل على إنجاز تحقيق مستقل فيما جرى ومحاسبة المسؤولين والمتورطين في أعمال قتل المدنيين الأبرياء والعزل.
ونوّه إعلان طرابلس باتخاذ سوريا “إجراءات صارمة” لمنع هكذا أعمال إجرامية شائنة، وحماية المدنيين من كافة أطياف الشعب السوري وتوجهاته، وتسهيل عودة النازحين.
وشدد المجتمعون على “رفض محاولات العدو الإسرائيلي فرض التطبيع مع لبنان”، وكذلك فرض أمر واقع عبر استمرار احتلال بعض المناطق.
وطالبوا الدول التي رعت تفاهم وقف إطلاق النار، إلى “الضغط على العدو الإسرائيلي للانسحاب من كل المناطق التي لا يزال يحتلها، ووقف خروقاته المستمرة للسيادة اللبنانية”.
من جهته، دعا ميقاتي، في مؤتمر صحفي مع السنيورة، حكومة بلاده للسعي مع الهيئات الدولية من أجل إيواء وتعزيز الإغاثة السريعة للنازحين، ومن ثم السعي مع الحكومة السورية من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وأضاف أن “هذه القضايا تحتاج إلى موقف واضح وصريح ومُحب، ويجب أن نجد حلولاً للمسائل المطروحة بعد الأحداث الدموية التي حصلت في سوريا، والتي نتج عنها حالات نزوح إلى لبنان”.
وتابع: “يجب التأكيد أيضا على أهمية الخطوات التي تقوم بها الحكومة السورية الجديدة من أجل احتضان كافة فئات المجتمع السوري، وبالتالي الحؤول دون المزيد من النزوح”.
ودعا إلى معالجة المشكلات التي نتجت بسبب هذه الأحداث الدامية، قائلاً: “كل من ارتكب أي جُرم بهذا الشأن يجب أن ينال عقابه”.
من جهته، أشاد السنيورة بالدور الذي تقوم به الحكومة السورية من أجل الحفاظ على سلامة التراب السوري.
وشدد على ضرورة أن تكون السلطة في سوريا تابعة للسلطة المركزية في دمشق.
وقال: “نؤكد على أن وحدة سوريا هو تأكيد على العلاقة القويمة التي يجب أن تكون بين لبنان وسوريا”.
وأشار إلى أنها “فرصة حقيقية للبنان من أجل بناء علاقات قويمة وسليمة وندية مع سوريا قائمة على الاحترام المتبادل ما بين الدولتين”.
واختتم السنيورة بالقول: “نحن وسوريا جيران وأشقاء ولدينا مصالح مشتركة، وسوريا هي مدخلنا الوحيد البري إلى العالم العربي”.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول لحرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما خلّف 4 آلاف و115 قتيلا و16 ألفا و909 جرحى، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
ومنذ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024 ارتكبت إسرائيل أكثر من ألف انتهاك له، ما أسفر عن 86 قتيلا و285 جريحا على الأقل، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية لبنانية.
وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/ شباط الماضي، خلافا للاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 مواقع لبنانية رئيسية.
كما شرعت مؤخرا في إقامة شريط حدودي يمتد لكيلومتر أو اثنين داخل أراضي لبنان، وفق رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.
وتزعم إسرائيل أن سبب بقائها في 5 تلال هو عدم قيام الجيش اللبناني بواجباته كاملة ضمن اتفاق وقف النار، وعدم قدرته على ضبط الأمن على طول “الخط الأزرق”.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.