
إن صحت الأنباء التي تتحدث عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في أحداث مدن ومحافظات الساحل السوري وتقدم تقريرها خلال ثلاثين يومًا، وتقدم المتورطين بها للعدالة فهي خطوة متقدمة من نظام لا يزال تاريخه يقطر دمًا وأتمنى أن يتحقق ذلك على أرض الواقع وليس كاللجان التي اعتدنا عليها في حال ما إذ أرادوا قتل ونحر ملف ما شكَّلوا له لجنةً، ولجنة تولد لجنة وينتهي الملف بالنهاية بدرج من أدراج البيرقراطية، ودهاليز الدولة العميقة.
نظام الشرع أمام امتحان إما أن يثبت بأن معتنقي الأيدلوجية الدينية السياسية (أتكلم عن التيارات والأحزاب الدينية السياسية وليس عن الدين والشريعة) هم بالفعل يمكنهم كسر القاعدة التي تقول -وقد أثبتها التاريخ- بأن أصحاب الأيدلوجية الدينية السياسية لا يمكنهم خلق حضارة متطورة تنافس بقية الحضارات البشرية، وأنهم سيعيدون ذات التجربة بذات المعايير التي سبق وأن فشلت بخلق مجتمع متطور، وهنا يتجلى الغباء بأبهى صوره.
كما أتمنى أن يستفيد نظام سوريا الجديدة من تجربة حكم الإخوان في مصر التي أفشلتها سياسة الإخوان المسلمين بأنفسهم وباعترافهم عندما استحوذوا على السلطة وسحلوا شحاتة لأنه مختلف عنهم مذهبيًّا، واليوم نرى ذلك يتكرر في سوريا، وعندما أسقطهم الجيش لم يسمِّ عليهم أحد بل أيَّدهم الشعب ودول المحيط، وهذا نتيجة لقصور في فهمهم لدور السلطة في المجتمعات الحديثة التي لا يمكن أن تقبل بتطبيق أيدلوجية جاءت بظروف تختلف تماما عن ظروف اليوم، ولم تعد تناسب الواقع بل تصادمت معه؛ لذلك دائما وأبدا وعبر التاريخ تنتهي تلك الأيدلوجية إما بالثورة عليها أو بقتال يدمر المجتمع.
فهل النظام الجديد في سوريا قادر على كسر القاعدة النمطية عن حكم التيارات الدينية السياسية ويغيير ملامح التاريخ؟ أنا أشك بذلك بكل بساطة؛ والسبب هو أن الأيدلوجية الدينية السياسية تنهي ذاتها بذاتها؛ ولأنها لا يمكن أن تعيش وتستمر دون خلق أزمات وعداوات داخلية وخارجية، ولا تؤمن بالحريات ولا بتداول السلطة سلميًّا ناهيكم عن تكفيرهم للديمقراطية بحد ذاتها ولا يعترفون بها.