
لأن الحقيقة ليست سطرًا يُكتب، بل موقف يُعاش، ولأنني أؤمن أن الصدق مع النفس هو أول الطريق إلى الصدق مع الآخرين، وجدتني اليوم مدفوعًا لإضافة خمسة اعترافات جديدة إلى ما سبق وأن كتبته في 9 مارس، تحت عنوان: (20 اعترافًا)
فقد آن الأوان لتصويب بعض العبارات، وتوضيح بعض المقاصد، حتى لا يُساء فهم ما قُصد به المراجعة والتقييم، ولا يُفسَّر الصدق على غير وجهه، ولا يُلبس البيان ثوبًا غير ثوبه.
كان الأجدر أن تسبق كل نقطة من النقاط العشرين السابقة عبارة “أشهد” بدلًا من “أعترف”، إذ أن دوري لم يكن يومًا دور المتحكم في مسار الأحداث، بل اقتصر على تقديم المشورة وإبداء الرأي، حيثما كان ذلك ممكنًا. نعم، ربما كان استخدام كلمة “أعترف” في مواضع بعينها دقيقًا، لكنه لم يكن يصلح لأن يكون قاعدة عامة لكل النقاط.
لقد كان غرضي من هذه الصياغة تجنب أن يُفهم من كلمة “أشهد” أنها تحمل اتهامًا لطرف أو تبرئة لآخر، أو أنها تُضفي حكمًا قاطعًا على وقائع معقدة، غير أنني أجد أن اللبس قد وقع رغم دقتي في اختيار الألفاظ. وعليه، فإنني اليوم أعيد تصويب المسار، لا لأتنصل من أي مسؤولية، بل لأضعها في إطارها الصحيح: شهادة على ما عشتُه وعايشتُه، وتحملٌ لنصيبي مما لم أتمكن من تغييره، لا من باب جلد الذات، ولكن من باب الأمانة أمام التاريخ.
قد يكون الفشل الذي أعنيه هنا ليس في اتخاذ القرار، بل في عدم إيصال وجهة نظري بالقدر الكافي من الإقناع، أو في توقيت لم يكن هو الأمثل لطرحها.
أكرر – لمن يعلم ولمن قد يجهل – أنني لم أكن طرفًا مباشرًا في اتخاذ القرار، ولم أكن في أي وقت من الأوقات متوليًا لأي منصب تنفيذي، بل كنتُ، وسأظل، منحازًا إلى صفوف المعارضة، مقتصرًا على تقديم الرأي والمشورة، بقدر ما أُتيح لي من فرص.
إنني مسؤول فقط عن قناعاتي، أصبت فيها أو أخطأت، لكنني لم أكن مسؤولًا عن تبني الآخرين لها أو رفضهم إياها، ولم يكن لي أن أتحكم في ذلك.
وحيث كان هدفي الأساسي من الاعتراف ببعض الأخطاء هو تحفيز قوى الثورة والمقاومة على مراجعات جادة، فإنني أوضح أن ذلك لم يكن أبدًا نوعًا من جلد الذات أو تبرير الماضي، بل كان سعيًا لتصحيح المسار، واستشراف مستقبل أكثر نضجًا ورشدًا. لم يكن الهدف أن نبكي على ما فات، بل أن نواجه الأخطاء بشجاعة، لأن التقييم الصادق لا يعني الهروب، بل هو أولى خطوات الإصلاح.
أدهشني حقًا أن يذهب البعض – عن جهل أو سوء نية – إلى افتراض أن البيان قد كُتب بالتنسيق مع أي طرف، سواء من القوى الإسلامية أو غيرها، أو أنه جاء باتفاق مع النظام، أو كنوع من المراوغة السياسية.
هذه الادعاءات ليست سوى انعكاس لفكرٍ يعجز عن استيعاب أن الصدق في حد ذاته موقف، وأن مواجهة النفس بالحقيقة ليست ضعفًا، بل هي القوة بعينها. لم أكن يومًا بحاجة إلى موافقة أي طرف على ما أقول، ولم أكن في انتظار مباركة أحد، لأنني لم أكتب يومًا إلا ما أؤمن به، ولم أنطق إلا بما يمليه عليَّ ضميري.
لو أنني فصلت كل نقطة من النقاط العشرين السابقة في مقال مستقل، لربما كان ذلك أجدى في وضع كل اعتراف في سياقه، وتحديد مسؤولياتي بوضوح، بعيدًا عن أي التباس أو تأويل. وربما كان ذلك كفيلًا بأن يدرك الجميع الفرق بين ما كنتُ مسؤولًا عنه، وما كان خارج حدود سلطتي وتأثيري.
ختامًا:
إن المكاشفة ليست ترفًا، بل هي واجب، والتقييم الصادق ليس ضعفًا، بل هو مسؤولية. وأيًا كانت التأويلات التي حاول البعض إلصاقها بهذا البيان، فإن الحقيقة تظل واحدة: أنني كنتُ، وسأظل، منحازًا إلى قيمي ومبادئي، مدركًا أن الاعتراف بالحقيقة هو أول الطريق إلى المستقبل.
ولا زلتُ أؤمن أن مراجعة الذات ليست نقيصة، بل فضيلة، وأن التاريخ لا يرحم من لا يتعلم من أخطائه، ولا يُنصف إلا من واجه نفسه بجرأة قبل أن يواجه الآخرين.