تقاريرحوارات وتحقيقات

رمضان تحت الحصار: عندما يفقد الغزيون راحة البال والمنازل والمساجد

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر 2023، حل بالغزيين رمضانان في ظل أوضاع كارثية تركت آثارها العميقة على حياتهم اليومية.

يستعرض موقع “اخبار الغد” تحول رمضان من شهر البهجة والخيرات إلى وقت مليء بالمعاناة والألم. تحت وطأة الحصار والجوع،

فقد الغزيون روحانيات هذا الشهر الكريم، حيث افتقدوا كل ما كان يجعل من هذا الشهر الكريم فرصة للتقرب إلى الله والاستمتاع بالبهجة والخيرات، فالمساجد مدمرة والمنازل مشردة، فيما يحاول المواطنون التكيف مع واقع صعب وجديد.

فقدان الأحبة والمنازل: ذكريات رمضان المدمر

أوضح إبراهيم أبو سليم، أحد المواطنين الذين دُمرت منازلهم في الحرب الأخيرة، أن “رمضان لم يعد كما كان.

قبل الحرب، كنا نستعد لهذا الشهر بفرحة كبيرة، نجتمع مع العائلة حول مائدة الإفطار، نصلي التراويح في المسجد، ونقوم بالتسوق قبل حلول الشهر لشراء مستلزمات الإفطار والسحور.

أما الآن، فقد دمرت الحرب منزلنا وأصبحنا نقيم في خيمة مع باقي أفراد العائلة. نفتقد الأمان والراحة، ونعيش تحت تهديد القصف المستمر. لا يمكن وصف شعورنا ونحن نفقد كل شيء حتى البهجة الرمضانية”.

من جهته، أكد سعيد الشرفا، الذي كان يؤدي صلاة التراويح في أحد المساجد المدمرة، أن “المساجد التي كنا نصلي فيها دُمرت تمامًا. حتى الصلاة باتت مختلفة، نصلي في المصليات المؤقتة التي تم إعدادها في مراكز الإيواء.

نفتقد روحانية العبادة في المسجد، وخصوصية رمضان التي كانت تتجلى في تجمعات الصلاة والذكر. رمضان هذا العام هو الأصعب على الإطلاق”.

الحصار والجوع: رمضان بلا موائد

وأشار أحمد الكردي، صاحب محل تجاري صغير، إلى أن الحصار المستمر منذ سنوات أثر بشكل كبير على قدرة الناس على التحضير لرمضان.

وقال: “المواطنون لم يعودوا قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية بسبب غلاء الأسعار. السلع التي كانت تملأ الأسواق في رمضان أصبحت نادرة وباهظة الثمن.

الحرب زادت الأمر سوءًا، حيث لم يعد الناس يملكون المال لشراء الطعام. حتى الفواكه واللحوم التي كانت جزءًا أساسيًا من مائدة الإفطار، أصبحت حلمًا بعيد المنال”.

أما سحر نوفل، وهي أم لخمسة أطفال، فتقول بحزن: “رمضان كان دائمًا موسم البهجة للأطفال. كانوا ينتظرون الإفطار بفارغ الصبر للتمتع بأطباقهم المفضلة والحلوى.

الآن، لا نستطيع حتى توفير الحد الأدنى من الطعام. كل ما نتمناه الآن هو الأمان وبعض الطعام لنشبع جوع أطفالنا. الحرب والحصار حرمتنا من أبسط حقوقنا في الحياة”.

غلاء الأسعار وفقدان الراحة النفسية

من جهته، أشار محمد داوود، وهو بائع خضار في سوق شعبي، إلى أن الحرب والحصار رفعا أسعار السلع إلى مستويات غير مسبوقة.

وقال: “في السنوات الماضية، كانت الأسواق تزدهر في رمضان، وكان الناس يتدفقون لشراء الخضروات والفواكه واللحوم. أما الآن، فالأسواق شبه فارغة.

الناس بالكاد يستطيعون شراء الخبز. الجميع يشعر بالإحباط والعجز. حتى التجار مثلي يعانون لأننا لا نستطيع شراء السلع بأسعار مرتفعة لنبيعها بأسعار مقبولة للناس”.

بدوره، أكد محمود أبو نحلة، مختص في علم الاجتماع، أن “فقدان الأمن الغذائي وارتفاع تكاليف المعيشة جعل من رمضان عبئًا ثقيلًا على المواطنين.

هناك فقدان جماعي للراحة النفسية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. الناس في غزة يشعرون بالعجز التام، ويعيشون حالة من القلق المستمر على حياتهم وحياة أسرهم”.

تشرد في الخيام ومراكز الإيواء

وفي سياق آخر، أوضح خالد الزطمة، أحد النازحين إلى مراكز الإيواء بعد أن دُمر منزله، أن “الحرب شردتنا في الخيام والمراكز. نحن نعيش في ظروف لا تليق بالبشر.

لا مياه نظيفة، ولا كهرباء، ولا أدنى مقومات الحياة. نصلي ونتعبد في أماكن مؤقتة، ونتشارك الطعام القليل مع العائلات الأخرى. في رمضان الماضي، كنا نجتمع مع جيراننا في الحي لتناول الإفطار، أما الآن فنحن نعيش حياة التشرد”.

من جهتها، أشارت نوال البيطار، وهي معلمة في مدرسة أصبحت مركزًا للإيواء، إلى أن “العيش في مراكز الإيواء حول حياة العائلات إلى كابوس.

الأطفال يعانون من نقص الغذاء والتعليم، والكبار يعيشون في حالة من اليأس والإحباط. حتى الأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في رمضان اختفت. بدلاً من التفكير في العبادة، أصبح همنا الأول توفير الطعام والمأوى لأطفالنا”.

العبادات في ظل الحرب: تحديات دينية وروحية

وأكد سليمان أبو عاصي، ناشط حقوقي، أن “الحرب والحصار لم يؤثرا فقط على الحياة اليومية، بل حتى على العبادة. الناس لم يعودوا قادرين على التوجه إلى المساجد للصلاة أو التراويح بسبب تدمير معظمها.

نواجه صعوبة كبيرة في تنظيم الصلاة الجماعية، ولا يوجد مكان مناسب لاستقبال المصلين. رمضان كان دائمًا فرصة للناس للتقرب إلى الله والعيش في جو من الروحانية، ولكن في ظل هذه الظروف القاسية، حتى العبادة أصبحت تحديًا كبيرًا”.

وفي السياق ذاته، أوضح عبد الله الزهار، أحد الناشطين في مجال العمل الخيري، أن “مئات العائلات تعتمد الآن على المساعدات الغذائية التي نقدمها.

هناك نقص حاد في الموارد، والكثير من الناس يعتمدون على الإغاثة الإنسانية لتوفير الطعام والشراب خلال رمضان. لكن حتى هذه المساعدات لا تكفي لسد احتياجات الجميع. الوضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت، والناس يشعرون بالعجز والخذلان”.

مستقبل مجهول: الأمل بين الحصار والحرب

وأشار يوسف الخطيب، وهو خبير اقتصادي، إلى أن “الوضع الاقتصادي في غزة في حالة انهيار تام. الحرب دمرت البنية التحتية، والحصار جعل من الصعب استيراد البضائع والمواد الأساسية.

إذا استمرت هذه الظروف، سيكون من الصعب على غزة التعافي في المستقبل القريب. المواطنين يعيشون في ظل معاناة متواصلة، ورمضان هذا العام ليس سوى فصل آخر في هذه المأساة المستمرة”.

بدورها، أشارت ريم العوضي، ناشطة في مجال حقوق الإنسان، إلى أن “الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها سكان غزة ليست فقط اقتصادية أو اجتماعية، بل تمتد إلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية في العبادة والحياة الكريمة.

الحرب والحصار أديا إلى تدهور كامل في جودة الحياة، وليس هناك أي أفق لحل قريب. نأمل أن يستيقظ العالم على معاناة أهل غزة ويساعد في إيجاد حل لهذه الأزمة الإنسانية”.

رمضان بلا روح: بين الحزن والأمل

وأوضحت ليلى حمادة، إحدى السيدات اللواتي فقدن أسرهن في الحرب، أن “رمضان لم يعد يعني لي شيئًا. فقدت زوجي وطفلي في الحرب، وأصبحت وحيدة بلا عائلة.

هذا الشهر كان دائمًا فرصة لنا لنتجمع كعائلة ونتبادل المحبة، ولكن الآن أصبح مجرد ذكرى مؤلمة. نصلي وندعو الله أن ينتهي هذا الكابوس، ولكن لا يوجد ما يخفف من ألم الفقدان”.

ورغم هذا الوضع المأساوي، أشار أيمن المصري، أحد المتطوعين في حملات الإغاثة، إلى أن “هناك أمل. حتى في ظل هذه الظروف القاسية، هناك أشخاص يحاولون مساعدة الآخرين.

نقوم بتوزيع الطعام على العائلات الفقيرة، ونساعد في إعادة بناء المساجد المدمرة. رمضان هو شهر العطاء والتضامن، ونحن نحاول بكل ما نستطيع أن نبقي روح رمضان حية في قلوب الناس”.

رمضان في غزة بين الدمار والأمل

رمضان في غزة لم يعد كما كان. الحرب والحصار حرما الغزيين من روح هذا الشهر الفضيل، وأصبح الاحتفال برمضان مرتبطًا بالألم والفقدان.

بين دمار المنازل، وارتفاع الأسعار، والتشرد، وفقدان الأحبة، يعيش الغزيون هذا الشهر في ظل أوضاع قاسية تجعل من الصعب عليهم الاستمتاع بالعبادة أو الاجتماع مع العائلة.

ورغم كل شيء، يظل هناك بصيص من الأمل في قلوب البعض، الذي يتحدى الحرب والحصار محاولًا الحفاظ على روحانية هذا الشهر الكريم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى