الغياب المدرسي في رمضان: جدل واسع حول الحماية المفرطة والروتين اليومي

شهدت المدارس المصرية خلال شهر رمضان ارتفاعًا كبيرًا في نسبة غياب التلاميذ، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا بين الأمهات والمختصين في مجال التربية، حيث تباينت الآراء حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.
يأتي ذلك في ظل تشديد وزارة التربية والتعليم المصرية على ضرورة انتظام حضور الطلاب في العام الدراسي 2024/2025.
وقد برزت العديد من التساؤلات حول تأثير الصيام على التلاميذ ومدى تأثير العادات والروتين اليومي للأسر المصرية على انتظام العملية التعليمية خلال الشهر الفضيل.
ماذا يحدث في المدارس؟
أشارت أمل عبد الحميد، مديرة مدرسة ابتدائية في القاهرة، إلى أن نسبة الغياب في رمضان ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث تجاوزت 30% من إجمالي التلاميذ.
وأكدت أن هذا الوضع يشكل تحديًا كبيرًا للمدرسين في الحفاظ على سير الدروس بشكل طبيعي. وقالت: “نحن نواجه صعوبة في الحفاظ على مستوى الدروس، حيث يؤثر الغياب المتكرر على استمرارية التعليم، لكننا ملتزمون بتطبيق اللوائح التي وضعتها الوزارة.”
الوزير يشدد على الانضباط
أكد وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، في تصريح رسمي أن الوزارة لن تتهاون في مسألة الغياب، مشيرًا إلى أهمية التزام التلاميذ بالحضور اليومي.
وقال: “التعليم مسؤولية جماعية، وغياب الطلاب يؤثر على مستواهم الأكاديمي. يجب أن نتعامل بجدية مع هذا الأمر لضمان مستقبلهم التعليمي”. وأضاف أن الوزارة قد حددت نسبًا معينة للغياب لا يمكن تجاوزها للحفاظ على درجات أعمال السنة، إلى جانب التقييمات الأسبوعية التي تُعد جزءًا أساسيًا من التقييم النهائي.
آراء الأمهات: بين القلق والراحة
تفاوتت آراء الأمهات حول أسباب الغياب، حيث ترى العديد منهن أن الغياب في رمضان يأتي بدافع القلق على صحة الأطفال.
أوضحت هبة محمد، والدة طالبة بالصف الأول الثانوي، أن “الذهاب إلى المدرسة خلال رمضان يُعد عبئًا على الطلاب، حيث أن الروتين المدرسي في هذا الشهر يصبح غير ملائم للصيام.” وأضافت: “المدرسون لا يلتزمون بالحضور الكامل، كما أن التلاميذ يكونون مرهقين، مما يجعل العملية التعليمية غير فعّالة.”
التأثير النفسي على الأطفال
في سياق متصل، أشارت دعاء كرسون، أخصائية تعديل السلوك ومدربة التربية الإيجابية، إلى أن الغياب المتكرر بدافع الحماية الزائدة قد يكون له تأثير سلبي على شخصية الطفل.
وأوضحت: “الحماية المفرطة تُضعف من قدرة الطفل على مواجهة التحديات، حيث يبدأ في الاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته. من المهم أن نسمح للأطفال بتحمل بعض المسؤوليات، كالحضور إلى المدرسة أثناء الصيام.” وأضافت أن “الطفل الذي يشعر بأن والديه يحميانه بشكل مفرط قد يصبح أكثر قلقًا وتمردًا في المستقبل.”
الروتين اليومي في رمضان: عامل مؤثر
من جهة أخرى، أكدت سارة عابدين، والدة لطفلتين في المرحلة الابتدائية، أن “روتين الحياة اليومية في رمضان يتغير تمامًا، مما يؤثر على قدرة الأطفال على الاستيقاظ مبكرًا.”
وأضافت: “نقضي أوقاتًا طويلة أمام التلفاز ونغير مواعيد النوم، وهذا يجعل من الصعب على الأطفال الالتزام بالذهاب إلى المدرسة.” وأشارت إلى أن “الأمهات أيضًا يجدن صعوبة في تنظيم يومهن خلال رمضان، مما ينعكس على الأطفال.”
الخبراء يحذرون من الحماية المفرطة
حذرت الخبيرة النفسية هدى عبد السلام من آثار الحماية المفرطة على الأطفال، حيث أكدت أن “الخوف الزائد من إرهاق الأطفال يجعل الأمهات يتخذن قرارات خاطئة بالغياب عن المدرسة.”
وأضافت: “الأطفال في سن معينة يستطيعون الصيام بشكل طبيعي دون تأثير سلبي على صحتهم، ولكن المشكلة تكمن في إدراك الأمهات لهذه الحقيقة.” وأشارت إلى أن “الحماية المفرطة تؤدي إلى اعتمادية زائدة لدى الطفل، حيث يصبح غير قادر على اتخاذ قرارات مستقلة.”
المعلمون بين الحيرة والالتزام
أوضح محمد جلال، مدرس للمرحلة الإعدادية، أن “رمضان يخلق تحديًا كبيرًا للمعلمين في الحفاظ على انضباط الطلاب.”
وأضاف: “الطلاب يكونون مرهقين وغير قادرين على التركيز، مما يؤثر على سير العملية التعليمية. نواجه صعوبة في تدريس المناهج بشكل فعّال، ولكننا نحاول قدر المستطاع التكيف مع هذه الظروف.”
وأشار إلى أن “بعض الطلاب يحضرون فقط للحصول على درجات أعمال السنة، بينما يختار الآخرون الغياب، وهذا يضعنا في موقف صعب كمعلمين.”
الحلول المقترحة لتنظيم يوم الأطفال في رمضان
أشارت مروة حسن، خبيرة تربوية، إلى أن الحل يكمن في تنظيم يوم الأطفال بشكل أفضل خلال رمضان. وقالت: “يجب أن يتم وضع جدول يومي للأطفال يشمل أوقات النوم والدراسة والراحة.”
وأضافت: “من المهم أن لا نسمح للأطفال بالسهر لفترات طويلة أمام التلفاز أو الهواتف الذكية، فهذا يؤثر سلبًا على أدائهم المدرسي.” وأكدت أن “الأمهات يجب أن يكن قدوة لأطفالهن في كيفية تنظيم الوقت خلال رمضان.”
مراعاة ظروف الصيام للأطفال: توازن بين الحضور والغياب
فيما أشار أحمد السيد، اختصاصي اجتماعي بإحدى المدارس الحكومية، إلى أن “التوازن بين الصيام والحضور المدرسي يمكن تحقيقه إذا تم ضبط روتين الأطفال.”
وأضاف: “لا يوجد خطر صحي على الأطفال في الصيام طالما أنهم يتمتعون بصحة جيدة، ولكن المشكلة تكمن في كيفية تنظيم يومهم بشكل لا يؤثر على تركيزهم.” وأكد أن “الغياب ليس حلاً، بل يجب تعزيز ثقافة الالتزام حتى في الظروف الخاصة مثل رمضان.”
دور الأهالي في الحفاظ على التوازن
من جهتها، أكدت نادية الشافعي، أم لطفلين في المرحلة الثانوية، أن “الأهالي يلعبون دورًا كبيرًا في تحديد مدى انتظام الأطفال في المدرسة خلال رمضان.”
وقالت: “يجب علينا كأمهات أن نتخذ قرارات مبنية على مصلحة أطفالنا. الغياب المستمر يؤثر سلبًا على تحصيلهم الدراسي، ولكن في نفس الوقت يجب أن نراعي ظروفهم الصحية والنفسية خلال الشهر الفضيل.”
الأطفال بين الحضور والغياب: تجربة شخصية
وفي تجربة شخصية، أوضح كريم حسن، طالب بالصف الثاني الإعدادي، أنه يجد صعوبة في التوفيق بين الصيام والحضور المدرسي.
وقال: “أشعر بالتعب والإرهاق خلال النهار، وأحيانًا لا أستطيع التركيز في الدروس.” وأضاف: “لكن والدتي تشجعني دائمًا على الحضور لأنها ترى أن المدرسة مهمة حتى في رمضان.”
مستقبل التعليم في رمضان: هل من حلول جديدة؟
اختتم الدكتور محمود سالم، خبير التعليم، حديثه بالإشارة إلى ضرورة إيجاد حلول مبتكرة للحفاظ على العملية التعليمية خلال رمضان.
وقال: “قد يكون من المفيد التفكير في تعديل مواعيد الدراسة خلال الشهر الفضيل، أو تقديم حلول تعليمية مرنة تناسب ظروف الطلاب.”
وأضاف: “التكنولوجيا يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في هذا السياق، حيث يمكن استخدام التعليم عن بُعد أو تقديم دروس مسجلة تساعد الطلاب على متابعة الدروس دون التأثير على صحتهم أو راحتهم.”
بينما تستمر النقاشات حول الغياب المدرسي في رمضان، يبقى السؤال الأهم هو كيفية تحقيق توازن بين الالتزام الدراسي وظروف الصيام.
تختلف الآراء بين الأمهات والمختصين، ولكن الجميع يتفق على أن الحل يكمن في تنظيم الروتين اليومي للأطفال وتعزيز ثقافة الانضباط حتى في أصعب الظروف.