مقالات ورأى

هشام جعفر يكتب : حقوق الإنسان في عالم ترامب

إذا كانت الحرب على غزة هي نهاية النظام الدولي المبني على القواعد- كما أعلن أمين عام منظمة العفو الدولية؛ فإن عالم ترامب هو عالم بلا قواعد؛ إذ لا ينبغي فيه أن يتورط في النظام أو البنية، تحكمه القاعدة الخالدة: “أنا القاعدة، والقاعدة أنا”.

تنتهي: أنياس كالامار– الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية– في مقال نشرته منتصف فبراير ٢٠٢٤– تعليقا على الحرب على غزة– إلى نتيجة مفادها، أن: “النظام القائم على القواعد، والذي حكم الشؤون الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في طريقه إلى الزوال، وربما لا تكون هناك عودة إلى الوراء”، وتتابع: “إن هذا التفكك، الذي يتجلى بوضوح في تدمير غزة ورد فعل الغرب عليه، يشير إلى نهاية النظام القائم على القواعد وبداية عصر جديد”.

أما عالم ترامب، فلا يضع الكثير من الثقة في الأنظمة القائمة على القواعد أو التحالفات أو المنتديات المتعددة الجنسيات. عالم ترامب يجب أن يكون مستعدا لاغتنام اللحظة، والاستفادة القصوى من أي فرص تأتي في طريقه. النظام الدولي فيه شديد الشخصنة. ترامب لا يتقيد بشكل مفرط بخطوط الصدع المحددة: ديمقراطيا وغير ديمقراطي أو عالم حر وغير حر. هو غالبا ما يفضل الأفراد على الحكومات، والعلاقات الشخصية على التحالفات الرسمية.

ترامب “يسدل الستار على القرن الأمريكي”- على حد قول ديفيد والاس ويلز كاتب العمود في النيويورك تايمز الأكثر مبيعا. إن النظام الذي بُني على مدى عقود من الزمان إلى حد كبير من قبل القوة الأمريكية ولصالحها يتم التخلص منه إلى حد كبير؛ لمنع عمله الآن ضد القوة الأمريكية ذاتها. من الواضح تماما ما الذي يرغب دونالد ترامب فيه: المبدأ القائل بأن الفوضى العالمية تفتح الفرصة للقوى العظمى التي طالما حاصرتها الأعراف والقواعد. أعلن ماركو روبيو في جلسة استماع أمام لجنة مجلس الشيوخ في يناير/ كانون الثاني: “إن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد عتيقا فحسب، بل أصبح الآن سلاحا يستخدم ضدنا”.

كتب المراقب الفرنسي أرنو بيرتراند: “كانت الهيمنة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، والآن تختار الولايات المتحدة إنهاءها بشروطها الخاصة”. “إنه النظام العالمي ما بعد أمريكا- الذي جلبته إليكم أمريكا نفسها”. 

إدارة ترامب لا تستخدم الهياكل الشاملة للتعاون الدولي، مثل الأمم المتحدة أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وبدلا من ذلك، قد يتعامل هو ومستشاروه- وخاصة أولئك الذين ينحدرون من عالم التكنولوجيا- مع الساحة العالمية بعقلية شركة ناشئة، أو شركة تشكلت للتو، وربما يتم حلها قريبا ولكنها قادرة على الاستجابة بسرعة وإبداع لظروف اللحظة- على حد قول والاس. وبالمثل، لا يهتم ترامب بالأمركة كأجندة للسياسة الخارجية، ويفصل شعوره بالاستثنائية الأمريكية للولايات المتحدة عن العالم الخارجي غير الأمريكي بطبيعته. هو ضد العولمة، لذا فإنه يقع في حب القوميّين من أمثال بوتين وأردوغان ومودي وتشي جين بينج. وفي رحابه يجد المحافظون اليمينيون الدعم والمساندة- كما أعلن نائبه في مؤتمر ميونيخ للأمن. أما المستبدون فإنهم في ظل هذا كله، لن يكونوا إلا فرحين مستبشرين، حيث لا حساب ولا عقاب.

من الواضح، أن مفهوم “النظام الدولي القائم على القواعد” يمثل لعنة على السيد ترامب. ففي نهاية المطاف، قد يضطرك اتباع القواعد إلى القيام بشيء، لا تريده وقد يفرض تكاليف قصيرة الأجل على بلدك. ويبدو أن السيد ترامب يعتقد أن القواعد الحالية لا تعزز المصالح الأمريكية في الأمد البعيد. يبدو أن هدفه هو تعظيم حريته في التصرف في كل الأوقات، وهذا يفسر ميله إلى النظر إلى التحالفات باعتبارها أعباء.

تمثل الترامبية مزيجًا من الشعبوية والقومية والنزعة الحمائية، وتتميز بأسلوب خطابي مثير للجدل ومعارضة للمؤسسات القائمة.

إن نهج السيد ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية لا يراعي القيم ــ فهو يسعى بلا هوادة إلى تحقيق المصلحة الذاتية. الخلاف مع زيلينسكي يُظهر لنا كيف يرى ترامب العالم. هو “يكشف عن وجهة نظر الرئيس الأمريكي غير الأخلاقية، التي ترى أن القوة هي الحق، في التعامل مع الشؤون العالمية”- وفق ما كتبه وليام أ. جالستين في النيويورك تايمز.

من أجل روح أمريكا المحافظة لا التقدمية

تؤكد مقدمة الوثيقة المرجعية لمشروع ٢٠٢٥، أنه مع اقتراب أمريكا من الذكرى السنوية الـ250 لتأسيسها، أصبحت الأمة منقسمة بين “الثوريين” الذين يتبنون أيديولجية  اليقظة، وبين أولئك الذين يؤمنون بالمثل الأمريكية. وفقًا للنص، يجب على المحافظين- التي تعد الوثيقة خطة عمل للرئيس الجمهوري الذي سيتم انتخابه في ٢٠٢٥- أن يقاتلوا من أجل روح أمريكا. 

في الأساس، تم تصميم “تفويض القيادة: الوعد المحافظ”- وهو العنوان الأصلي للوثيقة، والتي يرى فيها كثير من المراقبين، أنها دستور ترامب- للإجابة على السؤال “ما هي الأجندة المحافظة؟”- إذا تمكن المحافظون في النهاية من السيطرة على واشنطن.

ما هي- إذن- روح أمريكا أو المُثل الأمريكية وفق الوثيقة؟

الحرية الفردية والتحرر: وهذا يشمل فكرة، أن الأفراد لديهم حقوق منحها الله لهم في “الحياة والحرية والسعي إلى السعادة”. يمنح الدستور لكل شخص الحرية في أن يفعل ما يجب عليه فعله، وليس فقط ما يريده، حتى يتمكن من الازدهار. وهذا يشمل أيضًا الحرية الاقتصادية.

الحكم الذاتي والدستورية: إيمان قوي بالحكم الذاتي، حيث تأتي سلطة الحكومة من موافقة الشعب، وهذا يعني أيضًا الالتزام بالدستور وحدوده، فيما يتعلق بسلطة الحكومة، مع التأكيد على فصل السلطات بين الفروع الثلاثة وبين الحكومة الفيدرالية والولايات..

الأسرة والمجتمع: التركيز على استعادة الأسرة، باعتبارها جوهر الحياة الأمريكية وحماية الأطفال، كما نقدر أهمية المجتمعات المحلية والكنائس والمعابد اليهودية والأحياء المزدهرة.•

المشاريع الحرة والازدهار الاقتصادي: تسعى الوثيقة إلى تعزيز فوائد المشاريع الحرة.

القيم الأخلاقية والدينية: تشير إلى الحقوق التي منحها الله، وأهمية التدين، والتقاليد اليهودية المسيحية كأساس للمعتقدات الأخلاقية والدينية التقليدية.

السيادة والمصالح الوطنية: الالتزام بالدفاع عن سيادة الأمة وحدودها وثرواتها ضد التهديدات العالمية، وتدعو الوثيقة إلى الإلتزام الصارم بالمصلحة الوطنية، باعتبارها الأساس الأكثر ديمومة للاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة.

المساواة والفرصة: الإيمان بفكرة أن “جميع البشر خلقوا متساوين”، ويجب أن تتاح لهم الفرصة لتوجيه أنفسهم ومجتمعاتهم نحو الخير. إنها تقدر المساواة أمام القانون وعدم التمييز بين الألوان.

الحكومة المحدودة: يرغب المحافظون في حكومة أصغر حجمًا، ليس من أجل مصلحتها الخاصة، بل من أجل ازدهار الإنسان، وتسعى الوثيقة إلى تقليص حجم ونطاق الحكومة الفيدرالية..

 أيديولوجية معادية لـ”اليقظة”: رفض لأيديولوجيات “اليقظة”، التي يُنظر إليها، على أنها مثيرة للانقسام ومضرة بالمجتمع الأمريكي. “أيديولوجية اليقظة” (woke salons) تركز على قضايا مثل العدالة العرقية، والمساواة بين الجنسين، وحقوق مجتمع الميم، والتغير المناخي، وغيرها من القضايا التقدمية.

تشير الوثيقة، إلى أن هذه القيم التي تجسد روح أمريكا مهددة من قِبَل قوى محلية وأجنبية، وأن المنظمات الدولية تعمل ضدها، وتزعم أن العودة إلى هذه المبادئ الأساسية أمر ضروري لاستعادة قوة أمريكا وضمان ازدهارها في المستقبل.

إن الجوهر العام للوثيقة- التي قاربت صفحاتها على الألف، واحتوت تفاصيل كثيرة وإجراءات محددة لاستكمال وتحقيق “النصر المحافظ”؛ يقوم على أسس أربعة هي:

١- استعادة الأسرة، باعتبارها محور الحياة الأمريكية وحماية الأطفال.

٢- تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي للشعب الأمريكي.

٣- الدفاع عن سيادة الأمة وحدودها ومواردها ضد التهديدات العالمية.

٤- تأمين الحقوق الفردية التي منحها الله للعيش بحرية.

كيف تؤثر هذه النظرة للنظام العالمي، وتلك الأسس على مفاهيم وأولويات ومجالات عمل حقوق الإنسان؟- هذا ما نناقشه في المقال القادم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى