تقاريرحوارات وتحقيقات

الغلاء في رمضان يشعل غضب المصريين ويثير الجدل حول السياسات الحكومية

مع بدء شهر رمضان المبارك، أصبح الارتفاع الجنوني في أسعار السلع حديث الشارع المصري، حيث تجاوزت نسبة الزيادة في بعض السلع الأساسية 30% مقارنة بالعام الماضي.

وعلى الرغم من الجهود الحكومية لإنشاء معارض “أهلاً رمضان” لتخفيف وطأة الأسعار، يبدو أن العزوف الجماهيري عنها يكشف عن أزمة ثقة كبيرة بين المواطنين والجهات الرسمية.

ارتفاع الأسعار وصدى التضخم في الأسواق

أكد المواطن حسام عبد الحميد، وهو أحد سكان القاهرة، أن “الأسعار هذا العام خرجت عن السيطرة. رمضان الماضي كنت أستطيع شراء كميات كافية من اللحوم والخضراوات لأفراد أسرتي،

ولكن الآن لا أستطيع تحمل تكلفة هذه السلع، حيث أن سعر كيلو اللحمة ارتفع بشكل جنوني.” وأضاف: “معظم الناس لم يعد بإمكانهم شراء اللحوم أو الدواجن، حتى الأسماك أصبحت مكلفة للغاية.”

وفي نفس السياق، أشار المواطن إبراهيم مصطفى، من الجيزة، إلى أن “الأوضاع تزداد سوءًا، خاصة فيما يتعلق بالياميش والمكسرات التي تجاوزت أسعارها حدود المعقول.

كيف لنا أن نعيش أجواء رمضان في ظل هذا الارتفاع؟”. وأوضح أن “السلع التي كانت تعد من الأساسيات في كل بيت مصري أصبحت ترفًا لا يقدر عليه إلا القليل.”

آراء المختصين في الاقتصاد حول الزيادة الجنونية

أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد عبد العال أن “ارتفاع الأسعار في رمضان هو نتيجة مباشرة لعدة عوامل، من بينها التضخم الذي بلغ 24% على أساس سنوي.

كما أن تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية يؤثر بشكل كبير على استيراد السلع الغذائية، مما يؤدي إلى زيادة التكلفة على المواطن.”

وأضاف: “على الرغم من الجهود الحكومية لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن الحلول المطروحة لا تزال غير كافية.”

من جهته، أشار الدكتور محمود حسن، أستاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات، إلى أن “السياسات النقدية التي اتبعتها الحكومة في السنوات الأخيرة فاقمت من أزمة التضخم.

ورغم الجهود المبذولة لضبط السوق من خلال إنشاء معارض مثل ‘أهلاً رمضان’، فإن هذه المبادرات لم تحظَ بالنجاح المطلوب نتيجة ضعف الرقابة على الأسعار واستغلال التجار للوضع الاقتصادي الصعب.”

ردود فعل المواطنين حول معارض “أهلاً رمضان”

أكد المواطن محمد سعيد من الإسكندرية أن “معارض ‘أهلاً رمضان’ لم تحقق الغرض منها. ذهبت إلى أحد المعارض أملاً في شراء بعض السلع بأسعار مخفضة، لكن فوجئت بأن الأسعار تكاد تكون مماثلة لتلك الموجودة في السوق العادي.” وأضاف: “الدولة تعلن عن تخفيضات، لكن الواقع مختلف تمامًا.”

في نفس السياق، أوضحت نادية محمود، وهي ربة منزل من المنوفية، أن “المعارض لم تقدم سوى وهم التخفيضات.

كنت أتوقع أن أتمكن من شراء الزيت والسكر بأسعار معقولة، لكن فوجئت بزيادة في الأسعار مقارنة بالعام الماضي.” وعبّرت عن استيائها قائلة: “الحكومة لم تفعل ما يكفي لتخفيف العبء عن المواطنين في هذا الشهر الكريم.”

أزمة الأسعار وتأثيرها على الأسر المصرية

أشار المواطن عمرو إسماعيل، موظف حكومي من الشرقية، إلى أن “الارتفاع المستمر في الأسعار يضع الكثير من الأسر المصرية في مأزق حقيقي. نحن نعتمد على دخل محدود، ولكن مع هذا الغلاء لم نعد نستطيع تحمل تكاليف المعيشة اليومية، ناهيك عن تحضيرات رمضان.”

وأضاف: “الوضع الحالي يثير تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد المصري وما إذا كانت الحكومة تمتلك حلولاً فعالة لمواجهة هذه الأزمة.”

من جهتها، أكدت ليلى مصطفى، وهي أم لثلاثة أطفال من القليوبية، أن “الأسعار لم تترك لنا أي خيار سوى تقليص كميات الطعام التي نشتريها. لم أعد أستطيع شراء كل ما تحتاجه أسرتي. حتى الحلويات التقليدية التي كنا نصنعها في رمضان أصبحت رفاهية.”

رأي المختصين في الحلول المطروحة لمواجهة الأزمة

أشار الخبير المالي الدكتور محمد كمال إلى أن “الحلول المطروحة من قبل الحكومة غير كافية، إذ أن المشكلة أكبر من مجرد معارض مؤقتة.

يجب العمل على تحسين السياسات النقدية والتحكم في التضخم بطريقة أكثر فعالية.” وأضاف: “نحتاج إلى تعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لضمان توفير السلع الأساسية بأسعار معقولة.”

من جانبه، أوضح الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور سامي عبد الله أن “الاعتماد على المبادرات الحكومية فقط لن يحل الأزمة.

يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على التجار والأسواق لضمان عدم استغلال المواطنين في هذه الظروف الصعبة.”

الحالة النفسية والاجتماعية للمواطنين بسبب الغلاء

أكدت فاطمة عبد الرحمن، وهي معلمة من القاهرة، أن “الأوضاع الاقتصادية تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للأسر. الكثير من الناس يشعرون بالعجز والإحباط نتيجة عدم قدرتهم على توفير احتياجاتهم الأساسية.”

وأضافت: “رمضان هو شهر البركة والتواصل الاجتماعي، ولكن مع هذا الغلاء، بات من الصعب على الكثيرين الاستمتاع بالأجواء الرمضانية كما في السابق.”

من جهته، أشار الشاب أحمد فوزي، طالب جامعي من الفيوم، إلى أن “الضغوط المادية تؤثر على العلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء وأفراد العائلة. لا يمكننا الاجتماع أو التخطيط للقاءات كما كنا نفعل سابقًا بسبب التكلفة العالية لكل شيء.”

الآراء السياسية حول دور الحكومة في الأزمة

أوضح السياسي محمود عبد الجليل أن “الحكومة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في هذه الأزمة. السياسات الاقتصادية الخاطئة والاعتماد على الحلول المؤقتة أدت إلى تفاقم المشكلة.”

وأضاف: “يجب أن تكون هناك مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية وتدخل جاد لحماية المواطنين من استغلال التجار.”

على الجانب الآخر، أشار المحلل السياسي الدكتور حازم مصطفى إلى أن “الارتفاع في الأسعار هو نتيجة لعوامل خارجية وداخلية، منها تأثير الأزمات العالمية على الاقتصاد المصري. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الحكومة يجب أن تتخذ إجراءات أكثر فعالية لضبط الأسواق.”

في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار الذي يثقل كاهل المواطنين، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة المصرية إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة؟

ومع استمرار الغضب الشعبي والعزوف عن المبادرات الحكومية، يبدو أن الطريق نحو حل دائم لمشكلة الأسعار ما زال طويلاً.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى