تقاريرفتوى ودين

الرصاص القاتل في السودان: الفتاوى تحرّم الأعيرة النارية في المناسبات .. ظاهرة تهدد الأرواح

أصدر مجمع الفقه الإسلامي السوداني مؤخرًا فتوى تُحرّم بشكل قطعي إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، مؤكدًا أن هذا الفعل “محرم شرعًا بالإجماع”، لما يترتب عليه من مخاطر جسيمة تهدد الأرواح وتثير الفوضى وتُعرّض الأمن العام للخطر.

هذا القرار جاء كاستجابة للارتفاع المقلق في أعداد الضحايا الذين يسقطون بسبب الرصاص الطائش في الاحتفالات ورغم تلك الفتاوى، تستمر الحوادث الكارثية في إزهاق الأرواح .. فهل تكفي هذه الفتاوى وحدها لإيقاف هذا النزيف المستمر؟

أوضح عضو مجمع الفقه الإسلامي “رفض ذكر أسمه”، أن هذه الفتوى جاءت بعد دراسات مطولة حول هذه الظاهرة الخطيرة.

وأشار إلى أن المجمع يهدف من خلال هذه الفتوى إلى حماية الأرواح والحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن هذه السلوكيات العشوائية.

كما أكد أن الشرع يحرّم كل ما يؤدي إلى الضرر سواء في النفس أو المال، مشددًا على أن التهاون في تطبيق هذه الفتاوى قد يؤدي إلى استمرار الظاهرة.

بين الفتوى والقانون: أين يكمن الحل؟

ومع تأكيد المجمع على حرمة إطلاق النار في المناسبات، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل الفتاوى وحدها كافية لوقف هذه الظاهرة؟ خاصة في ظل غياب القوانين الرادعة التي تضمن تنفيذها.

وأشار المحامي محمد الطيب إلى أن الفتاوى الدينية ليست ملزمة قانونيًا، وبالتالي فإن تطبيقها يعتمد على تعاون السلطات.

وأضاف الطيب: “الفتاوى تسلط الضوء على الجوانب الشرعية، لكنها تحتاج إلى دعم تشريعي وقانوني لضمان تطبيقها على أرض الواقع. يجب أن يتم سن قوانين واضحة وصارمة تعاقب كل من يخالف هذه الفتاوى”.

هل تكفي العقوبات الرادعة؟

في هذا السياق، برزت مطالب من المواطنين والمختصين بضرورة تشديد العقوبات وتطبيقها بشكل صارم. وأكد المواطن علي محمد من الخرطوم أن المجتمع بحاجة إلى قوانين صارمة للحد من هذه الظاهرة.

وقال علي: “كل مرة يحدث حادث مأساوي بسبب إطلاق النار، نسمع عن فتاوى وتحذيرات، لكن دون أي تطبيق حقيقي على الأرض. يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة، كالسجن والغرامات المالية الكبيرة، حتى يشعر الناس بخطورة الأمر”.

المواطنين في مواجهة الأعيرة النارية: شهادات مؤلمة

الأرقام والإحصائيات تشير إلى زيادة ملحوظة في عدد ضحايا الرصاص الطائش في السودان، حيث تحوّلت هذه الظاهرة إلى كابوس يطارد المواطنين في أفراحهم وأحزانهم على حد سواء.

قالت المواطنة فاطمة حسن من أم درمان: “كنتُ في حفل زفاف قريب لي، وكان الجو مليئًا بالفرح حتى سقطت إحدى النساء مغشيًا عليها بسبب رصاصة طائشة.”

وتضيف فاطمة: “تحوّل الحفل إلى جنازة في لحظة. متى سنفهم أن الرصاص لا يُعبّر عن الفرح؟ بل عن الموت؟”.

من جانب آخر، أكد المواطن إبراهيم عثمان، الذي فقد شقيقه بسبب رصاصة طائشة في مناسبة، أن التراخي في تطبيق القانون هو السبب الرئيسي وراء استمرار الظاهرة.

يقول إبراهيم: “أخي كان يقف في الشارع عندما أصابته رصاصة خرجت من أحد المنازل أثناء احتفال. لا أعلم ما الذي يمكن فعله لمنع هذه الحوادث، لكنني متأكد أن القانون وحده يستطيع ردع من يستمر في هذا السلوك”.

رأي المختصين: الظاهرة تتجاوز الأفراد وتحتاج إلى جهد مجتمعي شامل

أشار الدكتور علي عبد الله، أستاذ علم الاجتماع في إحدي الجامعات السودانية، إلى أن الظاهرة ليست مجرد تصرفات فردية، بل تعكس ثقافة اجتماعية تتطلب تغييرًا جذريًا.

وقال عبد الله: “إطلاق النار في المناسبات مرتبط بعادات وتقاليد قديمة، ويحتاج الأمر إلى توعية مجتمعية واسعة، تبدأ من المدارس والجامعات وتصل إلى كافة مستويات المجتمع. يجب أن يتم تكثيف الجهود للتأكيد على خطورة هذه الممارسات”.

من جانبه، أكد عبد الرحمن صالح، باحث في الشؤون الأمنية، أن معالجة الظاهرة تتطلب تعاونًا بين جميع الجهات، بما في ذلك رجال الدين والقانون والمجتمع المدني.

وقال صالح: “لا يمكن الاكتفاء بالفتاوى أو بالقوانين وحدها. يجب أن تكون هناك حملات توعية مستمرة، كما يجب على المجتمع نفسه أن يرفض هذه الممارسات ويحاسب من يقوم بها”.

منصات التواصل الاجتماعي .. سلاح ضد الرصاص الطائش

منصات التواصل الاجتماعي شهدت في الفترة الأخيرة حملة واسعة للتنديد بهذه الظاهرة، حيث انتشرت صور الضحايا ومقاطع الفيديو التي توثّق لحظات الفرح التي تحوّلت إلى مآسٍ.

أوضحت الناشطة أميرة محمد، التي شاركت في حملة “رصاص الفرح يقتل”، أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة فعالة للتوعية.

وقالت أميرة: “استخدام الهاشتاجات مثل #رصاص_الفرح_يقتل ساهم في نشر الوعي بين فئات المجتمع المختلفة. يجب أن نستمر في الضغط من خلال هذه المنصات حتى يتخذ المسؤولون خطوات فعلية”.

لكن بالرغم من الجهود المبذولة، يبقى الرصاص الطائش مشكلة تؤرق المجتمع السوداني.

الحوادث مستمرة رغم التحذيرات

ورغم كل التحذيرات والفتاوى الصادرة، إلا أن الحوادث الناتجة عن إطلاق الأعيرة النارية لا تزال مستمرة، وهو ما يؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر فعالية.

أشار المواطن محمد أحمد، الذي يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية، إلى أنه يشهد حالات متكررة لضربات الرصاص الطائش.

وقال: “كل أسبوع نستقبل مصابين بسبب هذه الظاهرة، بعضهم يموت والبعض الآخر يخرج بإعاقة دائمة. متى سنتعلم الدرس؟”.

البحث عن حلول جذرية

أوضحت الأستاذة مريم حسن، مختصة في مجال التعليم، أن الحلول يجب أن تبدأ من البيت والمدرسة. وقالت مريم: “يجب أن نعلم أطفالنا منذ الصغر أن إطلاق النار ليس تعبيرًا عن الفرح، بل هو سلوك خاطئ يعرض حياة الناس للخطر. لا بد أن نغرس فيهم القيم الصحيحة منذ البداية”.

كما أكد الناشط الحقوقي عبد القادر عمر، والمتخصص في الشؤون المجتمعية، أن الإعلام له دور كبير في توجيه المجتمع.

وقال: “على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا أكثر فعالية في توعية الناس بخطورة هذه الممارسات، وأن تسلط الضوء على الضحايا وقصصهم لزيادة الوعي”.

هل نحتاج إلى أكثر من الفتاوى؟

أوضح المواطن عبد الله يوسف من الخرطوم: “الرصاص الطائش لا يميز بين أحد. علينا جميعًا أن نتحمل المسؤولية، وإلا فإننا قد نكون نحن أو أحد أحبائنا الضحية التالية”.

إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات السودانية ليس مجرد عادة، بل تهديد قاتل يُثقل كاهل المجتمع بحصاد من الأرواح البريئة.

في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تكفي الفتاوى والقوانين لوقف هذه الظاهرة؟ أم أن الأمر يحتاج إلى جهد مجتمعي متكامل يشارك فيه الجميع من رجال دين وقانون وإعلام ومواطنين؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى