مقالات ورأى

د. أيمن نور يكتب: قمة القاهرة قمةُ الأزمة أم قمة الخروج من الأزمة؟

القمة العربية ليست مجرد اجتماعٍ طارئ، وليست حدثًا عابرًا يُضاف إلى أرشيف البيانات الختامية التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.

اليوم، تنعقد قمة القاهرة وسط مشهدٍ سياسي متفجر، حيث تعيش غزة تحت وطأة حصارٍ خانق، وتواجه فلسطين مشاريع تهجيرٍ جديدة، يُعاد تقديمها للعالم كـ”حلول إنسانية

هذه ليست قمةً أخرى تُعقد من باب تسجيل المواقف، بل هي اختبارٌ حقيقي لمدى قدرة النظام العربي على اتخاذ قراراتٍ تُترجم إرادة الشعوب، وتكسر حلقة العجز السياسي التي رافقت القمم السابقة.

مشروع التهجير القسري، الذي أُعيد طرحه في سياق العدوان الإسرائيلي الأخير، لم يكن يومًا خيارًا مقبولًا، لا فلسطينيًا ولا عربيًا،

وهو امتدادٌ لسياسة ممنهجة بدأت منذ النكبة. لكن في هذه المرة، يحاول الاحتلال وداعموه تسويقه كحلٍّ “إنساني”، عبر دفع الفلسطينيين نحو الحدود وتحويل غزة إلى منطقة طاردة للسكان. هذا المخطط قوبل برفضٍ قاطع من القاهرة، عمان، الرياض، الدوحة، الجزائر، وعواصم عربية أخرى

مما يعني أن هناك إجماعًا عربيًا حقيقيًا على رفض تحويل الفلسطينيين إلى لاجئين جدد. السؤال الذي تطرحه القمة العربية اليوم: كيف يتحول هذا الرفض إلى إجراءات عملية توقف هذه المؤامرة قبل أن تتجذر؟

ليس مطلوبًا من قمة القاهرة أن تقدم مزيدًا من التصريحات، بل أن تتخذ قراراتٍ حاسمة تعيد تشكيل الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية. المطلوب اليوم: فتح معبر رفح بلا قيود، رفض أي صفقات تُمهّد لتهجير الفلسطينيين

إنهاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، فرض عقوبات اقتصادية على الشركات والدول الداعمة للاحتلال، والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال. هذه ليست مطالب مستحيلة، بل هي الحد الأدنى مما يمكن اتخاذه إذا أرادت القمة أن تكون قمةً للخروج من الأزمة، وليس مجرد قمة تعكس عمق الأزمة العربية.

في مقابل القمة العربية في القاهرة، انعقدت قمةٌ أخرى تحمل صوت الشعوب، هي قمة الشعوب العربية، التي دعا إليها المجلس العربي برئاسة الدكتور المنصف المرزوقي، حيث عبّرت القوى الشعبية والفكرية عن موقفٍ واضح في دعم غزة،

ورفض كل مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية. البيان الختامي لهذه القمة الشعبية لم يكن مجرد موقفٍ رمزي، بل كان وثيقة مطالب واضحة، كان أبرزها: إلغاء كل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال، دعم المقاومة باعتبارها حقًا مشروعًا، كسر الحصار المفروض على غزة، ومحاسبة مجرمي الحرب أمام العدالة الدولية.

إذا أرادت قمة القاهرة أن تستعيد ثقة الشارع العربي، فليس أمامها إلا أن تترجم هذه المطالب إلى قراراتٍ سياسية واقتصادية قابلة للتنفيذ.

الشعوب العربية لم تعد بحاجة إلى مزيدٍ من البيانات والتصريحات الدبلوماسية، بل تحتاج إلى خطوات ملموسة تُعيد للقرار العربي هيبته، وللإرادة السياسية استقلالها. إذا خرجت القمة العربية اليوم بقراراتٍ تلامس الواقع، فإنها ستكون قمةً لكسر دائرة العجز العربي، أما إذا انتهت كغيرها من القمم السابقة، فستبقى قمةً أخرى تُضاف إلى سجل الأزمات التي لم تجد حلولًا حقيقية.

أما غزة، فهي لا تحتاج إلى قمة القاهرة لتؤكد حقها في الحياة، بل تحتاج إلى خطوةٍ عربية واحدة… خطوةٌ تُترجم الأقوال إلى أفعال، والمواقف إلى قرارات، وتعيد للعالم العربي إيمانه بأن إرادته السياسية لم تُصادر بعد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى