تقاريرحوارات وتحقيقات

رمضان في الجزائر: غلاء الأسعار يطيح بفرحة الصائمين ويكشف الوجه الحقيقي للأزمة الاقتصادية

أكد العديد من المواطنين والخبراء في الجزائر أن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان الحالي قد أطاح بأجواء الاحتفال والروحانيات التي تميز هذا الشهر الفضيل.

بينما تُعتبر مائدة الإفطار في الجزائر من أهم طقوس هذا الشهر، التي تزخر بتنوع أطباقها التقليدية والشعبية مثل شوربة الفريك، واللحم الحلو، والبوراك، إلا أن الأسعار المرتفعة جعلت العديد من الأسر الجزائرية تواجه تحديات غير مسبوقة لتأمين هذه الأطباق.

المواطنون غاضبون ويشكون الارتفاع الجنوني في الأسعار

أوضح مصطفى بن عيسى، مواطن جزائري من العاصمة، أن الأسعار هذا العام أصبحت عبئًا كبيرًا على العائلات، خاصة العائلات ذات الدخل المحدود.

وأشار إلى أن “أسعار اللحوم والخضروات تضاعفت بشكل غير مسبوق، على الرغم من أن الحكومة كانت قد وعدت بإبقاء الأسعار مستقرة”.

وأضاف: “كان من المتوقع أن نتمتع برمضان هادئ، ولكننا الآن نصارع لتأمين وجبة الإفطار اليومية”. مصطفى يؤكد أن عائلته كانت تعتمد بشكل كبير على البطاطا واللحم لتحضير أطباق تقليدية، لكن الآن أصبح شراء هذه المكونات رفاهية لا يستطيع تحملها.

من جهتها، قالت فاطمة بوخليفة، ربة منزل من وهران، أن ارتفاع الأسعار لم يؤثر فقط على اللحوم والخضروات بل حتى على المنتجات الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر.

وأشارت إلى أن “الأسعار تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، وأصبحت العديد من العائلات مضطرة لتقليص ميزانياتها الغذائية بشكل كبير”. فاطمة ترى أن الدولة مطالبة بالتدخل العاجل لضبط الأسعار، خاصة خلال هذا الشهر الذي يُعتبر فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية والدينية.

وفي نفس السياق، أكد محمد بن سالم، موظف حكومي من قسنطينة، أن أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت إلى مستويات لا يمكن تحملها.

“لم يعد بإمكاننا تحضير الأطباق التي كنا نتناولها كل رمضان. الآن نحن مضطرون لتقليل النفقات والاعتماد على الوجبات الأساسية فقط.”

محمد يعتبر أن هذه الأزمة الاقتصادية تظهر الفشل في سياسات الحكومة الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بضبط الأسعار خلال الأزمات.

المختصون يحذرون من العواقب الاجتماعية والاقتصادية

وأشار الدكتور حسان ديلمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يعود إلى عدة عوامل، منها ارتفاع تكاليف الاستيراد ونقص في الإنتاج المحلي.

ويضيف: “التضخم الذي شهدته الجزائر في السنوات الأخيرة يزيد من صعوبة السيطرة على الأسعار، خاصة في فترات الأعياد الدينية التي يتزايد فيها الطلب على المواد الغذائية.”

حسان يرى أن الحل لا يكمن فقط في تقديم الدعم المباشر للأسر، بل يجب على الحكومة وضع خطط طويلة الأمد لتطوير الزراعة المحلية والحد من الاعتماد على الاستيراد.

من جانبه، أوضح عبد الحق بوكرمة، خبير في السياسات الاقتصادية، أن الجزائر تعاني من خلل هيكلي في الاقتصاد يتمثل في الاعتماد الكبير على واردات المواد الغذائية، وهو ما يفاقم من تأثير التقلبات في الأسعار العالمية على السوق المحلية.

“إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات جدية لتنمية الزراعة المحلية وزيادة الإنتاج، فإن الأسعار ستظل ترتفع كل عام، وهو ما سيؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في شهر رمضان الذي يُعتبر شهر البذل والكرم”.

كما أكد الحاج علي بوغلاف، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن الجمعيات الخيرية التي تنظم موائد الإفطار المجانية قد زادت بشكل كبير هذا العام.

“إننا نرى إقبالاً غير مسبوق على هذه الموائد، حيث تجد أسرًا بأكملها تعتمد على الوجبات المجانية لتأمين إفطارها”.

وأضاف: “هذا الأمر مؤشر واضح على مدى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد. ما نشهده الآن ليس فقط مشكلة اقتصادية بل أزمة اجتماعية تتطلب تدخلاً عاجلاً من الحكومة”.

الغضب الشعبي يتصاعد

من جهة أخرى، أشار نور الدين غمري، بائع في سوق الحراش، إلى أن التجار أيضًا يعانون من الارتفاع في تكاليف المنتجات.

“الأسعار مرتفعة على الجميع، بما في ذلك التجار. المستوردون يرفعون الأسعار بسبب التكاليف الباهظة للشحن والضرائب، ونحن لا خيار لنا سوى تمرير هذه الزيادات إلى المستهلكين.”

نور الدين يرى أن الحكومة يجب أن تتخذ إجراءات عاجلة لتقليل تكاليف الاستيراد وتخفيف الضرائب على المواد الغذائية الأساسية.

وفي هذا السياق، قال سليم بن غربي، أحد المتسوقين من ولاية سطيف، أنه أصبح من الصعب جدًا تحضير وجبة إفطار متكاملة مثل السنوات الماضية.

“رمضان كان شهرًا للتقارب والاحتفال، لكن الآن أصبحنا نتجنب التسوق إلا للضروريات فقط. الأسعار فاقت كل التوقعات، وحتى البوراك الذي كان طبقًا شعبيًا أصبح الآن من الكماليات.”

أوضحت سامية قنديل، أم لأربعة أطفال من بسكرة، أن التحضيرات لرمضان هذا العام كانت مختلفة تمامًا عن السنوات السابقة.

“كنا نعتاد على شراء كميات كبيرة من اللحوم والخضروات والفواكه لتحضير الأطباق التقليدية، ولكن هذا العام اضطررنا لتقليص الكميات بشكل كبير. حتى الحلويات التي كانت جزءًا لا يتجزأ من المائدة الرمضانية أصبحت مكلفة للغاية.”

مطالبات بحلول جذرية

من جانبه، أشار مراد لعريبي، ناشط اجتماعي من تيزي وزو، إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي نتيجة سنوات من السياسات الاقتصادية غير المدروسة.

“الحكومة كانت تركز على مشاريع كبرى دون الاهتمام بتطوير القطاع الزراعي أو دعم الإنتاج المحلي. الآن نحن ندفع ثمن هذه السياسات.”

مراد يرى أن الحل الوحيد لتخفيف العبء عن المواطنين هو إعادة هيكلة الاقتصاد والاهتمام بزيادة الإنتاج المحلي بدلًا من الاعتماد على الاستيراد.

وفي نفس السياق، أكدت سعاد حمادي، مختصة في الاقتصاد الزراعي، أن الجزائر لديها إمكانيات كبيرة لتطوير الزراعة المحلية إذا تم استثمارها بشكل صحيح.

“لدينا أراضٍ شاسعة ومناخ متنوع يسمح بإنتاج مختلف أنواع الخضروات والفواكه، ولكن للأسف السياسات الزراعية الحالية لم تحقق النتائج المرجوة. إذا استثمرنا في هذا القطاع، سنتمكن من تقليل الاعتماد على الواردات وتحقيق استقرار في الأسعار.”

من جانبه، أوضح عبد الرحمن قدور، عضو في جمعية خيرية، أن الجمعيات الخيرية تشهد ضغطًا متزايدًا لتوفير وجبات الإفطار للفئات الأكثر احتياجًا.

“كل عام يزداد عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة، خاصة في المناطق الريفية. نحن نحاول توفير ما يمكننا، ولكن الموارد محدودة والأسعار المرتفعة تجعل الأمر أكثر صعوبة.”

هل من حلول؟

أشارت خديجة عزيزي، أستاذة في العلوم الاجتماعية بإحدي الجامعات، إلى أن ارتفاع الأسعار لا يؤثر فقط على الجانب المادي للأسر، بل يتسبب أيضًا في تداعيات اجتماعية خطيرة.

“التوتر الناتج عن الضغوط الاقتصادية يؤثر على العلاقات الأسرية والاجتماعية. الكثير من الأسر تعيش في حالة من القلق الدائم حول كيفية تأمين وجبات الإفطار، وهو ما يؤثر على روحانية شهر رمضان التي من المفترض أن تكون شهرًا للسلام والسكينة.”

فيبدو أن رمضان هذا العام في الجزائر لم يكن مختلفًا فقط من حيث الروحانيات والأجواء، بل بات يشهد أزمة اقتصادية خانقة تكشف عن فشل السياسات الاقتصادية في السيطرة على التضخم وغلاء الأسعار.

وبينما يطالب المواطنون والمختصون بتدخل عاجل وحلول جذرية، يبقى السؤال الكبير: هل تستجيب الحكومة لهذه المطالب أم أن رمضان القادم سيكون أشد وقعًا على جيوب الجزائريين؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى