ثقافة وفنونمقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: تعليق على منشور محمد ناصف.. عندما تصبح الكرامة سلاحك الأخير

أبدأ مقالي هذا بتأييد صريح وقوي لما جاء في منشور الزميل الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، على صفحته الشخصية على فيسبوك.

أرى في كلمات هذا المنشور صرخة واضحة في وجه الحياة المليئة بالتناقضات، حيث تنتزع الإنسانية أحياناً حقها بصعوبة من أنياب الصخب والأنانية.

دعوني أبدأ بتحية، حقيقية غير مشوبة بالزيف أو التصنع، لكل كلمة نثرها ناصف، ولكل معنى حمله هذا المنشور العميق، فهو لا يعبر فقط عن مشاعر عابرة، بل عن فلسفة عيش بأكملها.

أؤكد أن ما قرأناه في هذا المنشور يلامس جوهر الحقيقة المؤلمة التي يعيشها الإنسان في ظل عالم متقلب. الجميع يسير في طريق مملوء بالمعارك الخفية، لا يتعلق الأمر فقط بالخسائر المادية أو العاطفية، بل يتعلق بالقدرة على الاحتفاظ بما تبقى لدينا من كرامة في عالم يحاول جاهداً انتزاعها من كل شخص.

من هنا، أرى أن الجملة التي وردت في المنشور: “التخلي يحتاج قوة أكبر بكثير من التمسك” هي رسالة لكل أولئك الذين يخوضون معاركهم النفسية بصمت، في عالم لا يعترف سوى بالقوة الظاهرة، بينما يُغفل عن تلك القوة الخفية التي تحتاجها للحفاظ على سلامتك الداخلية.

أتساءل: كيف يمكن لنا، كأفراد، أن ننجو من هذا العالم إذا لم نحتفظ بما يجعلنا بشرًا؟ كيف يمكن لنا أن نكون “سليمي القلب” في عصر يمتلئ بالقلوب “المرضى”، كما وصفها المنشور؟

هنا تكمن الحكمة التي أعتبرها جوهرية في هذا المنشور، وهي أن “سليم القلب يؤتمن حتى في عداوته، ومرضى القلوب لا يؤتمنون حتى في صداقتهم”.

أعيد التأكيد على هذه الحكمة، لأنني شخصيًا أراها مفتاحًا لفهم التناقضات التي تحيط بنا. الإنسان النقي، الذي ما زال يحتفظ بقدرته على الحب والتسامح، هو القوة الحقيقية في عالمٍ تعصف به الأنانية والكذب.

أشعر بالحاجة لتسليط الضوء على القوة الخفية في الصراحة والصدق، تلك القوة التي قد لا تكسبك الكثير من الأصدقاء، لكنها ستمنحك بالتأكيد الصفوة منهم. أوافق تماماً على هذه الفكرة الواردة في المنشور.

لقد أصبح العالم الآن مكاناً حيث تتغير العلاقات الشخصية بسهولة، حيث يمكنك أن تفقد صديقاً لأنك صادقٌ، ويمكنك أن تربح أصدقاء مزيفين إذا اخترت الكذب والتصنع.

ولكن، هل يستحق ذلك؟ هنا أقول، بكل وضوح: لا. لا يمكن أن يكون الكذب حلاً لتجنب الخسائر المؤقتة؛ بل الحقيقة هي الرصيد الأهم الذي يبقى لك في نهاية المطاف.

أود أن أتطرق إلى نصيحة المنشور حول ضرورة أن نكون أقوياء في مواجهة الحياة. أرى أن هذه القوة لا تقتصر فقط على قوة الجسد أو القدرة على مواجهة الصدمات، بل تكمن أيضًا في قدرتنا على التخلي عن الأشياء التي تؤذينا. نعم، “كن قوياً.. وتخلى عما يؤذيك مهما كنت تحبه”.

كيف يمكن لأحدنا أن يتجاهل هذه الحكمة العميقة؟ أرى أن هذه الفكرة تعبر عن واقع يعاش يومياً: التخلي عن الأشخاص السامين، عن الأفكار المحبطة، عن الأحلام التي لن تتحقق أبداً.

لكن الأصعب هو التخلي عن ما كنت تحبه بشدة، عن جزء من نفسك أو جزء من حياتك، والتحدي الحقيقي هنا هو في قبول ذلك دون أن تفقد إحساسك بالذات.

أشعر بضرورة الحديث عن فكرة أخرى هامة في المنشور، وهي أن “الكرامة” هي آخر ما يبقى لدينا. في عالم تلتهمه الماديات وتسيطر عليه القوة الغاشمة، تكمن الكرامة في قلب الإنسان الصامد الذي يرفض أن يُذل أو يُهان، حتى وإن كانت الظروف تدفعه نحو الانحناء.

وهنا، أؤكد أن الحفاظ على الكرامة ليس مجرد فعل، بل هو قرار مستمر يتخذه الإنسان كل يوم. إن من يملك كرامته يملك العالم، حتى وإن بدا أمام الآخرين خاسرًا.

أنتقل إلى المفهوم الروحي الذي اختتم به المنشور، وأؤكد أن الدعاء والخشوع هما جزء من الحفاظ على هذه القوة الداخلية التي تحدثت عنها. لا يمكن لنا أن ننجو بدون قلوب معبأة بالإيمان والرجاء.

الدعاء هو صلة تربطنا بالأمل، وتجعلنا نؤمن بأن الغد يحمل في طياته ما هو أفضل. هذه القناعة تُبقي الإنسان واقفًا رغم كل ما يعترض طريقه.

وأختتم بأنني أرى أن كلمات الزميل محمد ناصف ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي دعوة لإعادة تقييم حياتنا وأولوياتنا، دعوة للتمسك بما هو حقيقي وقوي داخلنا، والتخلي عن كل ما يضعفنا أو يؤذينا. أقول بجرأة: نعم، نحن بحاجة إلى مثل هذه الرسائل في عالم يتآكل فيه الصدق والقيم الأصيلة كل يوم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى