مقالات ورأى

د.سامح مسلم يكتب: هونغ كونغ الشرق الأوسط..مشروع استراتيجي يعيد تشكيل الاقتصاد المصري والعالمي

في عالم يشهد تحولات اقتصادية وجيو سياسية غير مسبوقة، لم يعد من الممكن للدول أن تظل متفرجة على التغيرات الكبرى التي تعيد رسم خريطة النفوذ العالمي. أمريكا تضعف اقتصاديًا، والصين تتقدم بثبات، والشرق الأوسط، وخاصة مصر، أمام فرصة تاريخية لتكون جزءًا من الحل وليس مجرد متلقٍ للأحداث.

في هذا السياق، تبرز فكرة “هونغ كونغ الشرق الأوسط” كحل ثوري وطموح لإعادة تموضع مصر على الخريطة الاقتصادية العالمية، من خلال إنشاء منطقة اقتصادية أمريكية خاصة في سيناء والصحراء الشرقية، تحاكي نموذج هونغ كونغ في شرق آسيا. هذه المنطقة لن تكون مجرد مشروع اقتصادي، بل تحولًا استراتيجيًا يعزز الشراكة المصرية-الأمريكية، ويفتح الباب لنهضة اقتصادية حقيقية بعيدًا عن القيود التقليدية التي تعرقل الاستثمار في مصر.

لكن ما الذي يجعل هذه الفكرة ضرورية الآن؟ ولماذا يمكن أن تكون سيناء والصحراء الشرقية المكان المثالي لتحقيق هذا الحلم؟

لماذا تحتاج مصر إلى “هونغ كونغ الشرق الأوسط”؟

على مدى العقود الماضية، واجهت مصر تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها البيروقراطية، ضعف الاستثمارات الأجنبية، ونفوذ المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، مما أعاق نمو القطاع الخاص، وأبعد المستثمرين الدوليين عن ضخ أموالهم في مشاريع طويلة الأمد. في المقابل، تحولت الصين إلى قوة اقتصادية عالمية بفضل هونغ كونغ، التي لعبت دور المركز المالي والتجاري المحوري الذي ربط آسيا بالغرب.

إذا كانت هونغ كونغ قد ساعدت الصين في تحقيق نمو اقتصادي غير مسبوق، فلماذا لا يكون هناك نموذج مشابه لمصر، ولكن بشراكة أمريكية؟

“هونغ كونغ الشرق الأوسط” يمكن أن تحقق لمصر ما حققته هونغ كونغ للصين، وذلك عبر إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تعمل وفق القوانين الأمريكية في التجارة والاستثمار، مما يخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الدولية ويضمن نزاهة المعاملات التجارية بعيدًا عن القيود البيروقراطية التقليدية.

المزايا الرئيسية لهذا المشروع:

استقلال اقتصادي عن النظام البيروقراطي الحالي: ستكون هذه المنطقة خاضعة لقوانين الاستثمار الأمريكية، مما يمنح المستثمرين الأمان والثقة المطلوبة لضخ رؤوس أموال ضخمة.
تحفيز الصناعات الأمريكية في المنطقة: ستكون هذه المنطقة مركزًا لنقل المصانع الأمريكية خارج الصين إلى بيئة استثمارية أكثر استقرارًا وأقل تكلفة، مما يساعد الشركات الأمريكية على تجنب الأزمات الجيوسياسية مع بكين.
خلق ملايين الوظائف للمصريين: من خلال تحويل هذه المنطقة إلى مركز صناعي وتكنولوجي متكامل، يمكن استيعاب ملايين الشباب المصريين في وظائف حديثة ذات أجور مرتفعة.
تعزيز نفوذ مصر الإقليمي: عبر تقديم نموذج اقتصادي ناجح، ستكون مصر رائدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تستقطب الاستثمارات من الخليج وأوروبا، وليس فقط من الولايات المتحدة.

لماذا سيناء والصحراء الشرقية؟

  1. الموقع الاستراتيجي

تقع سيناء عند تقاطع طرق التجارة العالمية، فهي تربط بين آسيا، أفريقيا، وأوروبا، وتتحكم في قناة السويس، أهم ممر ملاحي في العالم. من خلال إنشاء منطقة اقتصادية خاصة هناك، يمكن تحويلها إلى مركز لوجستي عالمي يضاهي سنغافورة ودبي.

  1. توافر المساحات الواسعة والبنية التحتية

تمتلك الصحراء الشرقية وسيناء مساحات شاسعة غير مستغلة يمكن تحويلها إلى مدن صناعية ضخمة تحتوي على مصانع، موانئ، مراكز تكنولوجيا، وأحياء سكنية متطورة. كما أن مصر قامت مؤخرًا ببناء شبكة طرق وموانئ جديدة يمكن استغلالها لدعم المشروع.

  1. تأمين طرق التجارة العالمية

تعاني الولايات المتحدة وأوروبا حاليًا من تهديدات لأمن التجارة البحرية، خاصة بعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر التي تسببت في زيادة تكلفة الشحن وتأخير الإمدادات العالمية.
وجود منطقة اقتصادية أمريكية في سيناء، مدعومة بقاعدة عسكرية، سيمنح الولايات المتحدة سيطرة مباشرة على التجارة في المنطقة، ويضمن استقرار الإمدادات.

ما الذي ستحصل عليه الولايات المتحدة؟

في مقابل هذه الامتيازات لمصر، فإن الولايات المتحدة ستكسب عدة فوائد استراتيجية من هذا المشروع، أهمها:

تقليل الاعتماد على الصين: نقل الصناعات الأمريكية إلى سيناء سيخلق قاعدة إنتاج بديلة للصناعات الحيوية مثل أشباه الموصلات، الطائرات المسيرة، والسيارات الكهربائية.
تأمين إمدادات الإنترنت العالمية: تمر الكابلات البحرية التي تربط الإنترنت بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر، مما يجعل هذه المنطقة حاسمة للأمن السيبراني الأمريكي.
زيادة النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة: يمكن للولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية لحماية هذه المنطقة، مما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا قريبًا من الشرق الأوسط وإفريقيا، ويقلل من مخاطر توسع الصين وإيران.
تعزيز الشراكة مع مصر دون المساس بسيادتها: من خلال إدارة المشروع بواسطة المصريين الأمريكيين، لن يكون هناك تهديد للسيادة المصرية، بل سيكون المشروع نموذجًا جديدًا للتعاون الدولي الناجح.

كيف يمكن تنفيذ المشروع؟

  1. توقيع اتفاقية ثنائية بين مصر والولايات المتحدة
    • تتضمن الاتفاقية منح المنطقة الاقتصادية وضعًا قانونيًا خاصًا يسمح لها بالعمل وفق قوانين الاستثمار الأمريكية.
    • يتم ضمان حماية الاستثمارات من أي تدخل حكومي مصري، مع الحفاظ على الملكية المصرية للأرض.
  2. إنشاء هيئة مستقلة لإدارة المشروع
    • تتولى إدارة المنطقة هيئة مستقلة مكونة من مستثمرين مصريين أمريكيين، مع إشراف مباشر من وزارة التجارة الأمريكية.
    • يتم استبعاد أي تدخل للجيش المصري أو البيروقراطية المصرية لضمان شفافية العمليات والاستثمارات.
  3. جذب الاستثمارات العالمية
    • يتم تقديم إعفاءات ضريبية كاملة لمدة 20 سنة للشركات الأمريكية والأوروبية الراغبة في الاستثمار.
    • توفير قروض وضمانات مالية عبر مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC) لتشجيع الشركات على الانتقال من الصين إلى مصر.
    • يتم بناء موانئ ومناطق لوجستية لخدمة التجارة الإقليمية والعالمية.
  4. حماية المشروع عسكريًا
    • إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة في سيناء لحماية المنطقة وتأمين الاستثمارات والممرات التجارية.
    • التنسيق مع إسرائيل والخليج لضمان دعم أمني إقليمي وحماية المشاريع الاقتصادية.

الخاتمة: لماذا يجب على مصر وأمريكا تنفيذ هذا المشروع الآن؟

يواجه العالم تحولات كبرى تجعل الحاجة إلى نماذج اقتصادية جديدة أمرًا ضروريًا. الولايات المتحدة لم تعد تستطيع الاعتماد على الصين في التصنيع والتوريد، كما أن أمن التجارة العالمية أصبح أكثر تهديدًا من أي وقت مضى. في هذا السياق، فإن إنشاء “هونغ كونغ الشرق الأوسط” في سيناء يمثل حلاً استراتيجيًا للطرفين:
• مصر ستحصل على استثمارات ضخمة ووظائف جديدة وتصبح مركزًا اقتصاديًا عالميًا.
• الولايات المتحدة ستؤمن سلاسل الإمداد الخاصة بها، وتقلل من هيمنة الصين، وتحمي مصالحها الاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

إذا نجح هذا المشروع، فإنه سيغير مستقبل الاقتصاد المصري، وسيجعل مصر المركز الصناعي والتكنولوجي الأول في الشرق الأوسط، تمامًا كما كانت هونغ كونغ بالنسبة للصين. السؤال الوحيد المتبقي: هل ستتحرك الحكومتان لتنفيذ هذا المشروع قبل أن تسبقنا الصين؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى