![](https://www.ghadnews.net/wp-content/uploads/2025/02/يوسف-عبداللطيف-يكتب-4.jpg)
يستعيد اليوم الذاكرة أحداثًا لم تمحُها السنين، 14 عامًا مرّت وكأنها طرفة عين منذ أن أطاحت إرادة الشعب المصري بحكم استبدادي دام لأكثر من ثلاثة عقود.
كانت الانتفاضة المصرية في 25 يناير 2011 رمزًا للأمل والانتصار، ولكن مع كل ذكرى تمر، يزداد السؤال مرارة: ماذا حققنا حقًا؟ وماذا ضاع منا؟ أكتب هذا المقال لا بحثًا عن إجابات نمطية أو شعارات جوفاء، بل لأقول الحقيقة كما أراها، حتى وإن كانت صادمة.
تدفن الأجيال الحاضرة في عبء الماضي. فبعد أن تنحى حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011، لم تُقابل أحلام الشباب بالتغيير الفوري الذي كان ينتظرونه.
اجتاحتنا مشاعر الفخر، لكن الواقع بعد ذلك كان أشد قسوة مما توقعنا. لم تأتِ الثورة برياح التغيير الديمقراطي كما كنا نأمل، بل فتحت أبوابًا جديدة للفوضى، وصراعات السلطة، وتزايد التطرف.
وكيف لا؟ فإن سقوط نظام واحد لم يكن كافيًا للإطاحة بجذور الفساد والقمع التي تغلغلت في كل زاوية من زوايا الدولة المصرية.
تتعثر الديمقراطية التي سعينا إليها بعد الثورة، مثل طفل لم يتعلم بعد كيف يمشي. تدخلت الأطراف السياسية المختلفة لتملأ الفراغ الذي خلفه مبارك، ولكن بدلًا من البناء، انقسمنا، تمزقنا بين الأحزاب والتيارات، والنتيجة؟ انتخابات لم تأتِ إلا بمزيد من الفوضى والصدامات.
نعم، كان الشعب يريد تغييرًا، ولكنه لم يكن يعلم أن هذا التغيير سيأتي على شكل عواصف لا تهدأ، تجر البلاد نحو عدم الاستقرار.
تصاعدت التوترات، وتصاعدت معها أزمات الحياة اليومية. من البطالة التي زادت إلى التضخم الاقتصادي، وحتى الخدمات الأساسية التي باتت تترنح. عشنا حالة من الاضطراب الشامل، حيث أصبح المواطن العادي هو الضحية الأولى لهذا التحول.
أكتب اليوم وأنا أرى في وجوه الناس خيبة أمل لم أكن أظن أننا سنراها بعد ذلك اليوم التاريخي في 11 فبراير. كان الحلم هو العدالة الاجتماعية، ولكن ما حصلنا عليه كان مجرد أمل متبخر.
تغرق البلاد في مستنقع سياسي عميق منذ ذلك الحين. تنتعش آمال البعض بالإصلاحات التي اتخذتها الحكومة، ولكن الحقيقة أن هذه الإصلاحات جاءت بعد أن غاصنا في فوضى عارمة أخرجت أسوأ ما في المجتمع.
فبعد سقوط مبارك، زادت الانقسامات، وتفاقمت المشاكل الأمنية. الإرهاب الذي كان يظهر كظل بعيد أصبح واقعًا مرعبًا، يدفعنا للخوف بدلًا من الأمل. أصبحت مصر ميدانًا مفتوحًا للتطرف، وزاد العنف، وساد الشعور بأن الأمان الذي كنا ننشده بات بعيدًا عن متناول الأيدي.
يواجه المواطن المصري اليوم تحديات تفوق تلك التي واجهها قبل الثورة. الاقتصاد الذي دُمر بسبب سوء الإدارة لعقود طويلة لم يُصلح بعد، على الرغم من وعود الإصلاحات.
وها نحن نشهد ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر، في حين نرى النخبة السياسية تترنح بين مصالحها الشخصية والأجندات الأجنبية. الشعب الذي صرخ من أجل العدالة والحرية وجد نفسه في مواجهة غول أكبر، يغرقه في ظلام أشد من الذي خرج منه.
يبقى السؤال المحوري: هل كان كل هذا يستحق؟ هل كان الخروج في ميدان التحرير والخسائر التي تكبدناها ثمنًا منطقيًا لما نراه اليوم؟ البعض سيقول نعم، لأن الأمل دائمًا هو البوصلة.
ولكني، في هذا المقال، لا أستطيع أن أنكر حقيقة أنني شخصيًا أشعر بالمرارة. ربما كانت النوايا حسنة، ولكن الطريق الذي سرنا فيه لم يكن مُعبّدًا كما توقعنا، بل مليء بالألغام. أرى اليوم شعبًا محطمًا، يصارع من أجل لقمة العيش، بعد أن كانت أحلامه تفوق السماء.
أدرك أن هذا الرأي قد يصدم البعض، ولكن كيف يمكن تجاهل الحقيقة؟ كيف يمكن الاحتفال بذكرى 25 يناير و11 فبراير ونحن نرى مصر تئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؟ كيف يمكننا الاستمرار في خداع أنفسنا بأن المستقبل سيكون مشرقًا بينما الحاضر مظلم بهذا الشكل؟
لا أقصد أن أقول إن كل شيء كان خطأً، ولكن يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. نحتاج إلى إعادة تقييم ما فعلناه، وكيف وصلنا إلى هنا.
لا يمكننا الاستمرار في التحرك دون بوصلة واضحة، دون رؤية حقيقية لمستقبل مشترك يجمعنا جميعًا. نحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالأخطاء، ومواجهة الحقيقة بأن الثورة وحدها لم تكن كافية. ما نحتاجه هو ثورة فكرية، سياسية، واقتصادية، تنقذنا من هذا المستنقع الذي نغرق فيه.
تمر الذكرى اليوم، ولكنها ليست فقط ذكرى لسقوط نظام، بل هي تذكير بأن الطريق إلى التغيير الحقيقي لا يزال طويلًا. يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن مستعدون لمواصلة النضال؟ هل نحن مستعدون لتقديم التضحيات الحقيقية من أجل مستقبل أفضل؟