صدمني صديقي العزيز؛ عندما هاتفني من القاهرة و فاجأني بخبر انتحار هاني عبدالقادر – الموظف بدار الأوبرا – التابعة لوزارة الثقافة، و الذى ألقى بنفسه في النيل،
في حادث مأساوي هز الشارع المصري .. و قد ثارت روايات عن تعرضه لظلم وظيفي كبير .. لم أكن قد عرفت الخبر بعد؛ بسبب ضغوط عملي و سفري المتكرر خارج أسيوط .. بعد أن صدمني الخبر، نزل على صمت مطبق … سألني صديقي : ” يا أحمد ..إنت بخير” ؟
قلت: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ“ “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
ذكرتني واقعة انتحار هاني عبدالقادر، بما سبق أن كتبته فى موقع “أخبار الغد“، “متى نتساوى بالقطط ؟! “، عندما تسببت واقعة التعامل اللا إنسانى مع القطط في دار الأوبرا، حيث قررت وزير الثقافة – وقتها – تحويل المسؤولين عن قتل القطة بدار الأوبرا إلى تحقيق عاجل و شفاف !!، و متابعة نتيجة التحقيقات أولا بأول !!
كما شددت وزيرة الثقافة – الأسبق – على التزام هيئات و قطاعات وزارة الثقافة بمبادئ الرفق بالحيوان و المواثيق و الأعراف الدولية في هذا الشأن، مؤكدة أن من سيثبت تورطه و إدانته في قتل القطة سوف ينال العقاب الرادع !!
و قد جاء قرار الوزيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم بعد حملة انتقادات حادة تعرضت لها دار الأوبرا بسبب عملية قتل لقطة بالسم في الأوبرا !!، و قد اشتهرت هذه القطة بمداعبتها نجوم الفن على السجادة الحمراء بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي !!.
ذكرتني واقعة انتحار هاني عبدالقادر، بما سبق أن كتبته- أيضا- في هذا الموقع أيضاً: ” أن بقاء “الفيل في الغرفة” يعرض الموظفين الشرفاء إلى الضغــوط و التوتر .. و يسبب لهم الاكتئاب.. و أن أي ثقافة لا ترتقى بفكر و إنسانية صاحبها، ولا تمنحه سلوكا محترما في التعامل مع مخالفيه؛ فليس له من الثقافة و لا من الإدارة نصيب !!”.
لست طبيبا نفسيا، لكن سبق لي أن شاهدت بنفسي – بحكم عملي محاميا بالهيئة العامة لقصور الثقافة نحو خمسة عشر عاما بإقليم وسط الصعيد الثقافي – ما يفعله الظلم الوظيفي، و ما تسببه السادية الإدارية، و قد شاهدت بعيني محاميا بالنقض يصاب باضطراب عقلي و حاول إشعال النار في نفسه !!
بعد أن أمسك بعلبة كبريت و زجاجة ذكر ان بها بنزين، و قد فشل من حوله في انتزاعها من يده !!، و قد نقل إلى مستشفى أسيوط الجامعي و توفاه الله بعد حوالى أسبوعين !!.
و شاهدت محاميا اخر بالنقض يصاب بإغماء عدة مرات و نقل إلى المستشفى كلما عارضه- بأدب- مرؤوسه المحامي الشاب !!
في دراسة نشرتها دورية ” الشخصية و علم النفس الاجتماعي ” عرف باحثون الاشخاص الذين يتميزون بمستوى عال من السادية بأنهم أولئك الذين ” يستمتعون بسلوكهم السادي مع ضعف الاهتمام بالتعاطف مع معاناة الاخر”.
هذا الشخص يستمتع برؤية الاخرين و هم يعانون. و قد تطرق عدد لا يحصى من الابحاث خلال السنوات القليلة إلى كيفية حماية النفس من الشخصيات السامة …
ذكرتني واقعة انتحار هاني عبدالقادر، بما سبق أن كتبته – أيضا – هنا في هذا الموقع بعنوان”كُهن“: و ما ذكره السيد رئيس الجمهورية عن أوضاع مصر عندما تسلم المسؤولية بأنها : “دولة كُهن”، و حلم سيادته بأن تكون مصر “أد الدنيا”.
ذكرتني واقعة انتحار هاني عبدالقادر- الموظف بدار الأوبرا بنص المادة 51 من الدستور المصري ” الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، و تلتزم الدولة باحترامها و حمايتها”. و لكن يبدو أن بعض القيادات لها رأى يناقض هذه المادة !!
كما نصت المادة 16 على أنه : ” تلتزم الدولة بالحفـــاظ على حقوق العمــــال ..”.
ذكرتني الكلمات التي كتبها موظف سابق بالأوبرا بلسان حال هاني عبدالقادر، بما تعرض له سيدنا محمد – صلى الله عليه و سلم – طبعا مع الفارق في التشبيه – ، و ذكره بن القيم في كتابه “عدة الصابرين”
وفي “زاد المعاد” قال: “فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم، ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي، ولم ير ناصرا، وآذوه مع ذلك أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومه، وكان معه مولاه زيد بن حارثة يقيه بنفسه ، فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه،
فقالوا: اخرج من بلدنا، وأغروا به سفهاءهم، فوقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه و أصابه شجاج في رأسه، فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا،
و دعا بالدعاء المشهور: ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
أخيرا و ليس اخرا .. أثق في أن اللجنة التي شكلها الدكتور احمد هنو – وزير الثقافة – بما عرف عن سيادته من نزاهة و حسم في مواجهة الفساد – لبحث ملابسات انتحار هاني عبدالقادر – لن يكون مهمتها تجميل الصورة التي تقطر سوءا و قبحا !!، و أنتظر – مع الاف غيرى – بفارغ الصبر نتيجة التحقيقات .. فما حدث ليس إلا نقطة في بحر الظلم …
و ليأذن لي القارئ أن أكرر سؤالي الذى طرحته منذ شهر تقريبا: متى نتساوى بالقطط ؟!