كشف موقع ميدل إيست من مصادره الخاصة بأن السلطة الفلسطينية أبلغت الولايات المتحدة بأنها مستعدة “للاشتباك” مع حماس إذا كان هذا هو الثمن المطلوب للاستيلاء على السلطة في قطاع غزة، وذلك خلال عرض قدمته لمبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.
بحسب ما أفاد مصدر فلسطيني لميدل إيست آي، فقد تم تقديم الخطة إلى ستيف ويتكوف خلال اجتماع في الرياض مع حسين الشيخ، وهو مسؤول فلسطيني كبير تم طرحه كخليفة للرئيس الفلسطيني الثمانيني محمد عباس، والتي تنص على أن تسيطر على حكم قطاع غزة لجنة أغلبيتها من خارج القطاع.
من جانب آخر، فقد أوضح المصدر بأن اللقاء بين مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط والشيخ قد تم تسهيله من قبل السعودية بناء على طلب من السلطة الفلسطينية، بعد أن رفض ويتكوف مبادراتها للاجتماع في رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
“السلطة الفلسطينية تشعر بالقلق من أنه إذا كانت هناك ملامح إدارة جديدة في غزة لن تكون السلطة جزءاً منها، فسوف يتم توجيه كل تمويلها بذلك الاتجاه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتقال مركز الثقل السياسي من الضفة الغربية إلى غزة وبالتالي نبذ السلطة وتجفيفها” – تهاني مصطفى- محللة الشؤون الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية
لاحقاً، سافر ويتكوف إلى إسرائيل للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقام خلالها برحلة إلى غزة، ليصبح أول مسؤول أمريكي يزور غزة منذ 15 عاماً عن طريق الإسرائيليين.
زياد أبو عمرو… مرشح السلطة للسيطرة على غزة
تشير الخطة إلى أن زياد أبو عمرو، أحد مستشاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هو المرشح ليصبح الحاكم الفعلي لقطاع غزة عن طريق رئاسة اللجنة، ومن المقرر أن يتم تعيينه نائباً لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى ليتمتع بصلاحيات جديدة واسعة النطاق.
ولد أبو عمرو في قطاع غزة عام 1950، ومن الممكن أن يكون مقبولاً لدى إدارة ترامب لأنه مواطن أمريكي أيضاً، وقد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جورج تاون وشغل منصب نائب رئيس الوزراء الفلسطيني من عام 2013 إلى عام 2024.
نشط أبو عمرو في محاولة إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، فقد مارس من قبل ضغوطاً ضد تمويل إعادة إعمار المنطقة المحاصرة بعد حرب عام 2014، حيث صرح لصحيفة وول ستريت جورنال في ذلك الوقت: “عندما يتحدث الناس عن إعادة الإعمار، يتحدث الناس عن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فأنا لا أعتقد أن إعادة الإعمار يمكن أن يحدث بطريقة أخرى”.
شكوك أمريكية حول قدرات السلطة
رغم تبجح السلطة الفلسطينية أمام إدارة ترامب بأنها مستعدة للصدام مع حماس، إلا أن أحد كبار مسؤولي الدفاع الأمريكيين صرح لموقع ميدل إيست آي باعتقاده بأن الأمر بدا “وهمياً”، حيث تحتاج السلطة إلى دعم عسكري وربما قوات من دول عربية أخرى أو مقاولين من القطاع الخاص.
تجدر الإشارة إلى أن حركة فتح تهمين على السلطة الفلسطينية منذ عقود، وفي عام 2007، اندلع القتال بين فتح وحركة حماس بعد وصول الأخيرة إلى السلطة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام الذي سبق.
في نهاية المطاف، أحكمت حماس قبضتها على غزة، فيما سيطرت فتح على الضفة الغربية المحتلة، وقد باءت جهود التوفيق بين الطرفين بالفشل منذ ذلك الحين.
مؤخراً، قامت حماس بإحراج إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حد سواء، وذلك من خلال إظهار تنظيمها العسكري خلال عمليات تبادل أسرى رفيعة المستوى خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث ظهرت وحدات حماس العسكرية وهي تتحرك بحرية في غزة وقامت بتأمين عملية تبادل الأسرى كما تم التخطيط لها أمام الحشود الفلسطينية المبتهجة.
لقد كان هدف إسرائيل المعلن من الحرب هو القضاء على حماس، وقد أدت هذه العروض إلى زيادة الضغط الهائل على السلطة الفلسطينية، التي كانت أصلاً فاسدة وتنسق أمنياً مع إسرائيل، الأمر الذي أفقدها شرعيتها من قبل معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
واليوم، تحاول السلطة الفلسطينية بأي طريقة حتى لا يتم تهميشها تماماً منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهي مستمرة في حصار مخيم جنين للاجئين وتهاجم المقاومين الفلسطينيين منذ ديسمبر عام 2024.
من جانبها، وصفت كبيرة محللي الشؤون الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية، تهاني مصطفى، هجوم السلطة على جنين بأنه “مهمة انتحارية” ومحاولة أخيرة لإثبات أن السلطة لا تزال قادرة على ممارسة القوة الصارمة.
وفقاً لمصطفى، فإن “السلطة الفلسطينية تشعر بالقلق من أنه إذا كانت هناك ملامح إدارة جديدة في غزة لن تكون السلطة جزءاً منها، فسوف يتم توجيه كل تمويلها بذلك الاتجاه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتقال مركز الثقل السياسي من الضفة الغربية إلى غزة وبالتالي نبذ السلطة وتجفيفها”.
هناك صدع بين عباس، الذي يحكم الضفة الغربية دون انتخابات منذ عام 2006، ورجل فتح القوي السابق في غزة، محمد دحلان، الذي يقيم في الإمارات ويعتبر مبعوث لعائلة آل نهيان الحاكمة في الإمارات
يذكر أن قيادة رام الله المترهلة كانت مطروحة في قلب خطة إدارة بايدن لحكم غزة بعد الحرب، إلا أن ترامب بالكاد ذكر السلطة الفلسطينية، بل في الواقع، لم يُظهر سوى القليل من الاهتمام المباشر بغزة، التي وصفها بأنها “موقع هدم فعلي في الوقت الحالي”، ودعا الأردن ومصر إلى قبول الفلسطينيين من غزة قائلاً: “نحن فقط نريد أن نزيل هذا الركام وننهي الأمر برمته”.
ضغط إماراتي سعودي على السلطة
خلال فترة ولايته الأولى، خفض ترامب مستوى العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية من خلال إغلاق القنصلية الأمريكية لدى الفلسطينيين في القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة.
من جانب آخر، كان صهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر، يكره السلطة الفلسطينية، فقد حاول خنق أي تعاون أمريكي مع السلطة، حتى بلغت هذه التوترات ذروتها عندما قام ترامب بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وطرح كوشنر مقترحاً لتهجير الفلسطينيين قسراً من قطاع غزة في مارس عام 2024.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مسؤول أمريكي كبير سابق في وقت سابق، بأن السلطة الفلسطينية سوف تواجه على الأرجح تحدياً صعباً في الحصول على الدعم من إدارة ترامب.
من ناحية أخرى، فقد أتاحت غزة فرصة لدولة الإمارات، أكبر منتقدي السلطة الفلسطينية في الخليج العربي، للضغط من أجل تغيير القيادة الفلسطينية، حيث أكدت الإمارات استعدادها لإرسال قوات حفظ سلام إلى غزة إذا تم إصلاح السلطة الفلسطينية بدون وجود لعباس، الأمر الذي أغضب عباس كما صرح مسؤول مصري لموقع ميدل إيست آي سابقاً.
يذكر أن هناك صدع بين عباس، الذي يحكم الضفة الغربية دون انتخابات منذ عام 2006، ورجل فتح القوي السابق في غزة، محمد دحلان، الذي يقيم في الإمارات ويعتبر مبعوث لعائلة آل نهيان الحاكمة في الإمارات.
لقد تم طرد دحلان من فتح في مرحلة سابقة، ولكنه احتفظ ببعض الدعم في غزة والضفة من خلال كتلة الإصلاح الديمقراطي لفتح.
أما السعودية، فمن المرجح أن تكون محوراً مهماً في مستقبل قطاع غزة، فبالإضافة إلى امتلاكها الأموال اللازمة لإعادة بناء القطاع، اتجهت نحو إشراك مختلف الفصائل الفلسطينية وليس دحلان أو فتح فقط مثل الإمارات.
من المعروف أن السعودية ظلت معادية لحماس خلال الربيع العربي، لكنها أصبحت منذ ذلك الحين أكثر مرونة، حيث أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، علناً بأن إسرائيل قد ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة، في حين استضاف وزير الخارجية الإماراتي نظيره الإسرائيلي علناً، وحتى قبل 7 أكتوبر عام 2023، كانت الرياض قد استضافت زعيم حماس إسماعيل هنية، الذي اغتالته إسرائيل في يوليو 2024، فيما لم تكن هناك خطوة مشابهة من طرف الإمارات يوماً.
المصدر ميدل إيست آي (هنا)