تقاريرمصر

إهدار 500 مليون دولار: فضيحة فساد بين هيئة البترول وشركة أديس السعودية

أعلنت شركة “فينترسال ديا” الألمانية عن تنازلها عن امتياز خليج السويس لصالح الهيئة المصرية العامة للبترول، بعد 38 عامًا من استغلال الحقول.

دخل هذا التنازل حيز التنفيذ في 1 يناير 2022 في إطار تحول استراتيجي للشركة نحو التركيز على الغاز الطبيعي، ما ترك علامات استفهام حول مصير هذه الحقول.

بدأت وزارة البترول المصرية في مارس 2023 أول مزايدة عالمية لتطوير حقول البترول المتقادمة في منطقتي خليج السويس والصحراء الشرقية، ومنها حقول “رأس بدران”، و”خليج الزيت”، و”شقير البحرية”، و”جازورينا”، و”رأس العش”، و”إيست زيت” و”أشرفي”.

طرحت الوزارة هذه الحقول بعد أن تنازلت عنها شركة “فينترسال ديا”، لتستحوذ عليها شركة “أديس” السعودية في مارس 2024، وتم توقيع عقود مع الشركة، حيث بدأت عمليات الحفر رسميًا في أغسطس من نفس العام.

رفع إنتاج الحقول بشكل غير مسبوق، بعد أن تمكنت شركة “أديس” من زيادة الإنتاج اليومي لحقل “رأس بدران” من 1700 برميل إلى 5500 برميل في غضون 41 يومًا فقط.

تبين أن هذه الزيادة الكبيرة في الإنتاج تحققت من خلال صيانة بسيطة كانت تكلفة تنفيذها لا تتجاوز 3 ملايين دولار. ولكن هذه الصيانة البسيطة كانت قد أهملتها الهيئة العامة للبترول وشركة “سوكو”، مما تسبب في خسائر ضخمة للقطاع.

منحت الهيئة العامة للبترول وشركة “سوكو” شركة “أديس” نصف الأرباح الناتجة عن زيادة الإنتاج، وهو ما يعادل 1900 برميل يوميًا.

في حال احتساب سعر البرميل بحوالي 80 دولارًا، يتضح أن الأرباح اليومية لشركة “أديس” تتراوح بين 150 ألف دولار و55 مليون دولار سنويًا، أي ما يعادل نصف مليار دولار خلال فترة العقد التي تمتد لعشر سنوات.

كان من الممكن أن تظل هذه الأرباح في الخزانة المصرية لو أن الهيئة قامت بأعمال الصيانة بنفسها، مما يثير تساؤلات حول جدوى تسليم هذه الأرباح لشركة خاصة دون أي استثمار حقيقي من جانبها.

أدى تصاعد هذه التساؤلات إلى فتح الباب أمام تحقيقات حول الأسباب التي أدت إلى هذه الخسائر الفادحة. لم تتوقف الأسئلة عند أعمال الصيانة، بل تجاوزتها إلى كيفية السماح لشركة خاصة بالاستحواذ على نصف الأرباح دون تقديم أي قيمة مضافة حقيقية.

كيف تمت هذه الصفقة التي شكلت ضربة موجعة للموارد الوطنية؟ من المسؤول عن تمرير هذه الصفقة المشبوهة التي أهدرت الأموال العامة؟

شكلت التعيينات الجديدة في شركة “أديس” بعد توقيع الاتفاقية نقطة إضافية في مسلسل الفساد، حيث تم تعيين عدد من المسؤولين السابقين في وزارة البترول في مناصب عليا في “أديس” مباشرة بعد تقاعدهم.

من بين هؤلاء، المهندس محمد الخياط، رئيس مجلس إدارة “سوكو” السابق، الذي عينته “أديس” مديرًا للعمليات في “أوسوكو”. كما تم تعيين المهندس شريف حسب الله، نائب وزير البترول لشؤون الإنتاج، في منصب مدير العمليات في “سوكو”، والمهندس محمد بيضون، نائب رئيس الهيئة لشؤون الإنتاج، في منصب ممثل لشركة “أديس” في “سوكو”. هذه التعيينات كانت بمثابة دفعة للشركة السعودية، مما يثير مزيد من الشكوك حول تضارب المصالح والفساد داخل القطاع.

تطرح هذه التعيينات أيضًا سؤالًا محوريًا: لماذا لم يتم القيام بأعمال الصيانة اللازمة من قبل الجهات الحكومية نفسها؟ هل كان هناك تواطؤ بين الأطراف المعنية في هذه الصفقة غير العادلة؟ كيف يمكن تفسير قبول الهيئة العامة للبترول وشركة “سوكو” بالإجراءات التي أهدت “أديس” أرباحًا طائلة دون أن يكون هناك مقابل عادل لهذه الزيادة؟

تضع هذه الأسئلة هيئات الرقابة أمام تحدٍ كبير للكشف عن الملابسات المحيطة بالصفقة والتحقيق في الأشخاص المسؤولين عن اتخاذ هذه القرارات الفادحة.

ينبغي أن تراجع كافة التعاقدات السابقة واللاحقة مع الشركات الأجنبية لضمان الحفاظ على المصالح الوطنية وحمايتها من الاستغلال غير المشروع.

مهدت الهيئة العامة للبترول الطريق أمام شركة “أديس” لتحقيق مكاسب ضخمة، لكنها في ذات الوقت أهدرت أموال الدولة بشكل غير مسبوق، لتتكبد الخزانة العامة المصرية أكثر من 55 مليون دولار سنويًا.

يمثل هذا إهدارًا للموارد الطبيعية في وقت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية خانقة، ما يزيد من تعقيد الأزمة المالية التي تواجهها الدولة.

تتطلب هذه الفضيحة تحقيقًا عاجلًا من الجهات الرقابية المسؤولة عن متابعة قطاع البترول، وتحركًا حاسمًا لمحاسبة المتورطين في هذه الصفقة المشبوهة.

وفي ظل هذه الظروف، يبرز هذا الحدث كمؤشر خطير على الفساد المستشري في القطاع، الذي لا يمكن السكوت عليه بعد الآن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى