من الانتخابات المحلية إلى الحرب على غزة والانتصار في سوريا، عاشت تركيا العام الماضي مليئاً بالتطورات الحاسمة التي ستنعكس على العام الجديد.
القضية الرئيسية التي ستتحدى تركيا في عام 2025 ستكون الاقتصاد.
وكان الاقتصاد التركي قد تعرض في السنوات السابقة لصدمات شديدة نتيجة التطورات الخارجية، الضغوط السياسية، السياسات الشعبوية التي فرضتها الانتخابات، بالإضافة إلى آثار الزلزال.
وعلى الرغم من استقرار سعر الدولار، إلا أن التضخم، الذي انخفض من 54% في عام 2023، لا يزال عند مستويات مرتفعة تبلغ 44%.
تترك هذه التحديات الاقتصادية أثرًا كبيرًا على القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية، خاصة بين الطبقات الدنيا والمتوسطة.
وبينما تسعى الحكومة للتخفيف من حدة الأزمة من خلال زيادة رواتب موظفي القطاع العام والحد الأدنى للأجور، لا تزال فئات واسعة من المجتمع تواجه صعوبات كبيرة.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الخطة الاقتصادية متوسطة المدى التي تطبقها الحكومة قد بدأت تؤتي ثمارها، حيث تظهر إشارات إيجابية في مكافحة التضخم وتنفيذ سياسات التقشف بفعالية.
على الرغم من تعرض حكومة أردوغان لانتكاسة جزئية في الانتخابات المحلية لعام 2024، إلا أنها تواصل الاستفادة بشكل جيد من الائتمان لمدة خمس سنوات.
ويُسهم ضعف المعارضة في تسهيل موقف الحكومة، حيث تواجه البلديات الكبرى التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض تعثرًا في تقديم الخدمات، مما أدى إلى تراجع الدعم الشعبي للمعارضة وعدم قدرتها على الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة.
في الوقت ذاته، شكلت الثورة السورية دفعة معنوية لحزب العدالة والتنمية، بينما وجهت ضربة للمواقف المعارضة لسياسات الحكومة تجاه اللاجئين.
ومن بين القضايا البارزة التي ستشغل السياسة الداخلية التركية في العام الجديد تأتي القضية الكردية، وخاصة ملف حزب العمال الكردستاني.
وقد أقدم تحالف الشعب على اتخاذ خطوة جريئة في هذا الملف، الذي يرتبط أيضًا بالسياسة الخارجية، ولا سيما في سياق العلاقات مع سوريا.
وتشير التقديرات إلى أن الصراع المستمر مع حزب العمال الكردستاني على مدار أربعة عقود كلف تركيا حوالي 40 ألف ضحية بشرية، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية غير مباشرة تقارب تريليون دولار.
في عام 2013، حاولت الحكومة التركية الجلوس على طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، إلا أن وعد الولايات المتحدة بإقامة دولة في سوريا دفع حزب العمال الكردستاني إلى الانسحاب من المفاوضات.
ومع ذلك، أسهم النجاح الذي حققته الحكومة في مواجهة حزب العمال الكردستاني داخليًا وخارجيًا، إلى جانب دعم الثورة السورية، في منح الحكومة فرصة لحل هذه القضية بشكل نهائي على طاولة المفاوضات.
تسعى الحكومة التركية إلى دفع حزب العمال الكردستاني إلى التخلي عن السلاح وإعادة دمج أفراده في الحياة الطبيعية داخل تركيا وسوريا.
ورغم محاولات إسرائيل وإيران استغلال حزب العمال الكردستاني أو قسد ضد تركيا، فإن وصول ترامب إلى السلطة وتغير الوضع الميداني قد أضعفا موقف حزب العمال الكردستاني بشكل كبير.
وعلاوة على ذلك، فإن عام 2025 يُعد عامًا حاسمًا لاستقرار تركيا السياسي ولميراث الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، الذي يقود البلاد منذ 23 عامًا.
إذ سيكون هذا العام بمثابة اختبار حساس لنجاح البرنامج الاقتصادي وتحقيق الاستقرار السياسي.
في عام 2025، ستظل مواجهة الإبادة الإسرائيلية في غزة إحدى القضايا الرئيسية التي تشغل الدبلوماسية التركية.
ومن المتوقع أن يؤثر وصول ترامب إلى السلطة على السياسات الإسرائيلية، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
وعلى الرغم من أن ترامب معروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، إلا أن التساؤل يبقى قائمًا حول ما إذا كان سيمنح إسرائيل «شيكًا على بياض» كما فعل بايدن، أم أنه قد يفاجئ الجميع بالسعي لإنهاء الحرب في غزة.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن سياسات الولايات المتحدة، ستواصل تركيا وأصدقاء الشعب الفلسطيني دعم قضية غزة على المنصات الدولية.
كما سيبذلون جهودًا لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتحقيق وقف إطلاق النار، مما يعكس التزامًا مستمرًا تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
فإن نجاح الحكومة الجديدة في سوريا سيكون قضية ذات أهمية كبيرة لتركيا التي ترى في الحكومة الجديدة حليفًا طبيعيًا مثل قطر.
ستقدم دعمًا دبلوماسيًا كبيرًا لضمان الاعتراف بالنظام الجديد، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتقديم المساعدات العاجلة وإعادة الإعمار.
المرحلة الأولى، وهي عملية الاعتراف الدبلوماسي، تسير بنجاح. ومع ذلك، فإن رفع العقوبات وجمع المساعدات يتقدم ببطء نسبي، ولكن الأجواء العامة إيجابية.
ومن المتوقع في العام الجديد أن تعمل تركيا على تعزيز علاقاتها الإيجابية مع إدارة ترامب، إلى جانب تطوير علاقاتها مع العالم العربي وأوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا، والحفاظ على علاقات متوازنة مع الصين والهند.