تقاريرمصر

مصر تتبنى الطاقة النووية رغم تكلفتها العالية ومخاطرها البيئية والصحية الفادحة

تفتقر مصر حاليًا إلى المقومات الأساسية لصناعة الطاقة النووية، فليس لديها مصادر يورانيوم محلية ولا تقنيات لاستخراجه، مما يجعلها تعتمد على شريك أجنبي في توريده وتخصيبه وإعادة تجهيزه.

سيترتب على هذه الترتيبات طويلة الأمد مع الشريك الروسي تقوية الاعتبارات السياسية على حساب ضمان أمن الطاقة. وفي ذات الوقت، تفتقر مصر إلى الكوادر المدربة والمتخصصة في إدارة مشاريع معقدة مثل المحطات النووية،

وهو ما أكده العديد من الخبراء في الطاقة النووية، الذين أشاروا إلى أن تحقيق أي نهضة حقيقية في هذا المجال يتطلب إصلاحات في منظومة التعليم والبحث العلمي المصري.

كما تظل البنية التنظيمية والقانونية الضرورية لضمان أمان الطاقة النووية قاصرة، حيث تعاني هيئة الرقابة النووية والإشعاعية من ضعف شديد مقارنة بنظيراتها في الدول المجاورة.

لا سيما بعد التعديلات القانونية الأخيرة التي زادت من ضعف الهيئة، مع العلم أن مصر لم تصدق على اتفاقية الأمان النووي رغم توقيعها عليها منذ عام 1994.

تستمر مصر في السير عكس الاتجاه العالمي، حيث شهدت الطاقة النووية منذ منتصف التسعينيات تراجعًا مستمرًا في نسبة الكهرباء المولدة من خلالها، وباتت الدول التي تبنتها في البداية تتجه نحو تقليص دورها لصالح مصادر طاقة بديلة.

في المقابل، ترى بعض الأوساط المصرية أن الطاقة النووية توفر الكهرباء بأسعار رخيصة وآمنة، وتفتح الطريق نحو التنمية.

ولكن الأدلة الحديثة تكشف عكس ذلك تمامًا، حيث أصبحت الطاقة النووية أحد أغلى مصادر الطاقة وأكثرها خطورة، وتشير الدراسات إلى أن تأثيراتها على الصحة والبيئة أكثر سلبية مما كان يُعتقد في الماضي.

حصلت الطاقة النووية على العديد من الانتقادات العالمية، بعد أكثر من سبعين عامًا من استخدامها. فقد بدأت بعض الدول، مثل ألمانيا، في إغلاق مفاعلاتها النووية، وتعهدت بلجيكا وسويسرا بتقليص حصة الطاقة النووية في مزيجها الكهربائي، بينما ترفض دول مثل أستراليا والنمسا وإيطاليا بناء أي محطات نووية على أراضيها.

أما في مصر، فيتم البدء في إنشاء مفاعلات نووية على الرغم من تراجع هذه الصناعة عالميًا. وتبقى التكلفة العالية للطاقة النووية نقطة محورية في هذا النقاش، حيث أن تكلفة بناء محطة الضبعة النووية تبلغ حوالي 30 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 12 ضعف تكلفة بناء محطة غازية مركبة، و6 أضعاف محطة رياح، و3 أضعاف محطة شمسية بنفس القدرة.

بينما كانت الصناعة النووية تروج لكونها خيارًا اقتصاديًا في المدى البعيد، فإن الدراسات الحديثة أثبتت أن هذه المقولة مجرد أسطورة. فقد كشفت العديد من حالات الإفلاس والخسائر التي تعرضت لها أكبر الشركات النووية، مثل شركة ويستنجهاوس في 2017، والتي كانت أكبر شركة لبناء الطاقة النووية في التاريخ، وكذلك شركة أريفا الفرنسية التي سجلت خسائر بلغت 12.3 مليار دولار أمريكي.

وفي المقابل، تظهر التقارير أن الطاقة النووية أصبحت الآن أغلى أنواع الكهرباء. وفقًا لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن التكلفة المعدلة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية تتجاوز ضعف تكلفة الغاز المركب والخلايا الشمسية، وثلاثة أضعاف تكلفة طاقة الرياح.

تستمر الطاقة النووية في تقديم تحديات بيئية وصحية، إذ تطلق جميع مراحل دورة الوقود النووي مواد مشعة تؤثر سلبًا على البيئة والإنسان.

رغم أن القوانين تسمح بوجود مستويات “آمنة” من الإشعاع من المنشآت النووية، إلا أن الدراسات أظهرت عكس ذلك، حيث تزايدت حالات الإصابة بالسرطان، خاصة بين الأطفال الذين يعيشون بالقرب من المحطات النووية. ويشير تقرير “اللجنة الوطنية في الولايات المتحدة للبحث في الآثار المترتبة على مستويات الإشعاع المنخفضة” إلى أنه لا توجد جرعة آمنة من الإشعاع المؤين مهما كانت منخفضة.

كما تؤثر المحطات النووية سلبًا على النظام البيئي المائي، إذ تتطلب كميات هائلة من المياه للتبريد، مما يتسبب في ضرر بالغ للبيئة البحرية والتنوع البيولوجي.

محطة نووية واحدة قد تسحب بين 75 ألف إلى 1.8 مليون لتر من المياه في الدقيقة، مما يؤثر بشكل سلبي على البيئة البحرية في المناطق المجاورة، مثل منطقة الضبعة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تتميز بتنوع بيولوجي نادر في مصر.

من جهة أخرى، تزداد كمية المخلفات النووية، والتي تظل مشعة لآلاف السنين. يقدر إجمالي المخلفات النووية عالية الإشعاع الناتجة في 2020 بحوالي 445 ألف طن، وهي مواد مشعة أكثر بملايين المرات من اليورانيوم “الطازج”.

ورغم ذلك، لا يوجد في أي مكان في العالم مخزن طويل الأمد لهذه المخلفات، ويعتمد الاحتفاظ بها على طرق مؤقتة غير آمنة، ما يزيد من خطر التسرب الإشعاعي وتلوث البيئة.

وفي هذا السياق، تتزايد المخاوف بشأن خطر هذه المخلفات على الأجيال القادمة، فبعد أكثر من سبعين عامًا من استخدام الطاقة النووية لا يزال لا يوجد حل دائم للمشكلة.

ويمكن لأي فشل تكنولوجي أو خطأ بشري أو كارثة طبيعية أن يتسبب في كارثة أكبر إذا خرج المفاعل عن السيطرة.

تستعرض هذه الحقائق جميع جوانب الصناعة النووية التي كانت تُعتبر خيارًا واعدًا في الماضي، لتظهر اليوم أنها تكلف مصر والمجتمع العالمي أكثر مما تظن الحكومة، وأنها تفرض أعباء مالية وبيئية وصحية قد تكون غير مبررة أمام البدائل المتاحة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى