تقاريرمصر

اختلالات توزيع المزايا الاجتماعية بموازنة 2025: الأولوية للديون والعاصمة والأجور وتجاهل الصحة

تستمر الحكومة في توجيه الموازنة الجديدة لعام 2025 نحو دفع تكاليف الديون والوفاء بتعهداتها المالية، على حساب حقوق المواطنين في الخدمات الأساسية.

ففي الوقت الذي يتزايد فيه حجم الديون، تنخفض مخصصات قطاعات الصحة والتعليم، في ظل سيطرة الإنفاق على مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، والأجور الباهظة لكبار المسؤولين، متجاهلة بذلك الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الشعب المصري.

توجه الحكومة المزيد من الأموال لسداد ديونها، حيث تزايدت مخصصات قطاع الخدمات العامة بنحو 80.7 مليار جنيه، في وقت تراجع فيه الإنفاق على التعليم والصحة.

فمخصصات قطاع الصحة، التي وصلت إلى 108.7 مليار جنيه، لا تشكل إلا نصف الحد الأدنى الذي حدده الدستور، والبالغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن الحكومة تدعي التزامها بالدستور، إلا أن الإنفاق على القطاع الصحي لا يتجاوز 1.5% من الناتج المحلي، في تراجع مستمر عن التوجهات الدستورية.

تكشف الأرقام عن تباين صارخ بين الوعود الحكومية والواقع على الأرض، حيث سجل الإنفاق على التعليم نسبة 2.42% من الناتج المحلي، بينما يتطلب الدستور أن تصل هذه النسبة إلى 6%. وقد تم تخصيص 172.6 مليار جنيه لقطاع التعليم في الموازنة الجديدة، ولكن هذه الزيادة لا تعكس التطور في الإنتاج المحلي، مما يثير القلق حول استدامة النظام التعليمي في ظل تراجع الجودة والتمويل. وفي الوقت نفسه، يبقى القطاع الصحي في وضع هش، حيث انخفضت مخصصات التأمين الصحي والأدوية، في وقت ارتفعت فيه التحديات الصحية المرتبطة بالأزمات الاقتصادية العالمية.

استمر دعم المزايا الاجتماعية في الموازنة الجديدة في الانخفاض، رغم تزايد الحاجة إليها وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة. فالمخصصات الموجهة لدعم العلاج على نفقة الدولة ظلت ثابتة، بينما كان من المتوقع زيادة هذه المخصصات بسبب تزايد الحالات المرضية وتدهور مستوى المعيشة. كما انخفضت مخصصات معاش الضمان الاجتماعي وبرامج تكافل وكرامة، مما يعكس غياب خطة حقيقية لمواجهة الفقر المتزايد نتيجة تعطّل بعض الأنشطة الاقتصادية.

وفي الوقت ذاته، ارتفعت مخصصات دعم المواد البترولية الموجهة إلى القطاع الخاص، وهو ما يمثل نحو 80% من فاتورة دعم المواد البترولية في الموازنة. وبالرغم من التحذيرات من موجة تضخم كبيرة، فإن دعم القطاع الخاص استمر في استنزاف جزء كبير من الموارد المخصصة، دون أن يشعر المواطنون بآثاره الإيجابية.

وتستمر الحكومة في اتخاذ قرارات مالية تؤدي إلى تدهور قدرة المواطن على تحمل الأعباء. ففي موازنة 2025، تم تخصيص 5 مليار جنيه لدعم أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي، دون النظر إلى أن هذا التخفيض يمثل عبئًا إضافيًا على الفئات الأخرى. كما تم تخصيص 6 مليار جنيه لدعم توحيد سعر الغاز للصناعة، وهو ما لا يساهم بشكل حقيقي في تحسين أوضاع المواطنين أو دعم القطاعات الحيوية في الاقتصاد.

تعتبر هذه الموازنة تجسيدًا حقيقيًا للاختلالات في توزيع الموارد، حيث تذهب الأموال إلى سد ديون الدولة وسداد فوائدها، بينما تهمل القطاعات التي تمس حياة المواطن اليومية، مثل الصحة والتعليم. فقد جاء الإنفاق على الأجور في قطاع التعليم الأعلى بين القطاعات الحكومية، حيث خصصت له 115.4 مليار جنيه، رغم أن هذا القطاع يعاني من نقص كبير في عدد المعلمين والتجهيزات المدرسية.

عند مقارنة الأجور بين القطاعات، تظهر المفارقة الكبيرة بين الأجور المخصصة للقطاعين العام والخاص. ففي حين حصل قطاع الخدمات العامة على 74 مليار جنيه، وهي تشمل أجور كبار المسؤولين، حصل قطاع التعليم على 115 مليار جنيه رغم العدد الكبير للعاملين في هذا القطاع. هذه الأرقام تكشف عن التفاوت الكبير في توزيع الموارد بين مختلف القطاعات الحكومية، بما يعكس عدم اهتمام حقيقي بتحسين خدمات التعليم والصحة.

ورغم الزيادة في مخصصات الاستثمارات الحكومية بنسبة 54.5%، إلا أن هذه الزيادة تتوجه بشكل كبير نحو قطاع الخدمات العامة، خصوصًا في مجال البنية التحتية بالعاصمة الإدارية الجديدة. فيما يظل قطاع التعليم والصحة في مراتب متأخرة، رغم أن الحاجة ماسة لتطوير هذه القطاعات في ظل التحديات التي تواجهها.

المحصلة النهائية لهذه الموازنة، كما تشير الأرقام، هي استمرار سياسة تراكم الديون، حيث لا تكاد تخلو موازنة من بنود لسداد هذه الديون وفوائدها. في حين تواصل الحكومة البحث عن مصادر تمويل جديدة من خلال القروض، مما يهدد بالاستمرار في حلقة مفرغة من الاستدانة والتضخم.

يشير هذا الوضع إلى أن الاقتصاد المصري سيظل يواجه تحديات جسيمة في المستقبل، ما لم يتم إعادة النظر في سياسات الإنفاق الحكومي وتوجيهها بشكل أكثر عدالة لخدمة القطاعات التي تمس حياة المواطنين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى