في ظل التقاعس المستمر من الحكومة المصرية وتفاقم الأوضاع المتدهورة في المستشفيات الحكومية، شهدت محافظة قنا يوم الإثنين الماضي حادثًا مأساويًا جديدًا يضاف إلى سلسلة الكوارث التي لا تنتهي.
حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من كشف ملابسات حريق ضخم اندلع في عنبر مرضى الدرن المغلق بمستشفى الصدر، مما أدى إلى إصابة 23 مريضًا بحالات اختناق نقلوا على إثرها إلى مستشفى قنا العام لتلقي العلاج.
الفاجعة الأكبر في هذه القصة ليست فقط في الحريق نفسه، ولكن في الأسباب التي أدت إلى هذا الحريق، والتي تكشف بوضوح فشل الحكومة المصرية في توفير الرعاية الصحية اللائقة للمواطنين وإهمالها المتعمد في صيانة المستشفيات وتقديم خدمات صحية تليق بآدمية المرضى.
الشاب “محمد ا. ج.”، البالغ من العمر 35 عامًا والمقيم في قرية الشاورية بنجع حمادي، كان هو المحرك الأساسي لهذه الكارثة، حيث قرر الانتقام من المستشفى بعد وفاة والدته بسبب ما وصفه بالتقصير الفادح من الأطباء في علاجها.
هذا الشاب، الذي يعمل موظفًا في الصوامع، اشترى كمية من البنزين وأشعل النيران في عنبر الدرن المغلق داخل المستشفى، مستغلًا غياب الرقابة الأمنية الفعالة داخل المستشفى، في خطوة اعتبرها محاولة يائسة للانتقام من نظام صحي متهالك لم يستطع إنقاذ حياة والدته.
كاميرات المراقبة كشفت عن تحركات الشاب، حيث ظهر مرتديًا كمامة وممسكًا بجركن بنزين، واستطاعت الأجهزة الأمنية تعقبه بعد أن انبعثت رائحة البنزين بشكل واضح في المكان.
لكن هل يمكن تحميل شاب فاقد لأمه وحده المسؤولية الكاملة عن هذا الحادث؟ بالتأكيد لا. إن هذا الحريق ليس إلا نتيجة مباشرة لفساد النظام الصحي في مصر، والذي يعاني من ضعف في الخدمات وغياب الرقابة والتقصير في الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.
وفاة والدة المتهم جاءت نتيجة هذا التقاعس، وقد شهدت على إهمال الأطباء في تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب.
كيف يمكن أن يصل الحال في مستشفى حكومي إلى هذا الحد من الفوضى والإهمال؟ وكيف تسمح الحكومة بأن تصبح المستشفيات مكانًا يشهد على الموت بدلاً من أن يكون مصدرًا للشفاء؟
ففي وقت سابق تلقت مديرية أمن قنا بلاغًا من مرفق الإسعاف برئاسة الدكتور محمد فؤاد حول نشوب الحريق، وسرعان ما انتقلت قوة الدفاع المدني والحريق إلى موقع الحادث، إلا أن النيران كانت قد انتشرت بالفعل في العنبر، مما أدى إلى انبعاث كميات ضخمة من الدخان واختناق المرضى المتواجدين في المستشفى.
وتم إخلاء العنبر ونقل المصابين البالغ عددهم في ذلك الوقت 17 مريضًا إلى مستشفى قنا العام، فيما قررت النيابة العامة فتح تحقيقات موسعة حول الحادث.
لكن القضية لا تنتهي هنا، فالقضاء أصدر قرارًا بتجديد حبس المتهم “محمد ا. ج.” لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، بعد أن تم ضبطه وعامل بمحطة الوقود الذي باع له البنزين. لكن هذا القرار القضائي لا يعالج جوهر المشكلة.
فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح هنا: أين كانت الحكومة المصرية من كل هذا؟ لماذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان تقديم الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين؟ وكيف يسمح نظام صحي بهذه الكارثة بأن تمر دون مراجعة جذرية للأوضاع الصحية في البلاد؟
الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الصحة والقيادات التنفيذية بمحافظة قنا، لم تقدم أي حلول حقيقية لعلاج الأزمة الصحية المتفاقمة، بل استمرت في تقديم الوعود الفارغة التي لم تحقق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا، زار المستشفى بعد الحادث لتفقد الوضع، ولكنه لم يخرج بأي تصريحات تعبر عن تحمل الحكومة للمسؤولية عن هذا الإهمال. هذا التوجه الحكومي يثبت مرة أخرى أن المسؤولين يتجاهلون بشكل متعمد مشكلات المواطنين، وأن إصلاح النظام الصحي ليس على أجندة أولويات الحكومة.
نيران مستشفى الصدر ليست حادثًا معزولًا، بل هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الإهمال والفساد في المنظومة الصحية المصرية. هذه الحادثة تكشف مدى تعمق الأزمة في قطاع الصحة، الذي أصبح أشبه بمقبرة للمرضى بدلًا من مكان يتلقون فيه العلاج والشفاء.
إلى متى ستستمر الحكومة المصرية في تجاهل هذه الأوضاع المزرية؟ إلى متى سيظل المواطن المصري ضحية لنظام صحي مهترئ يعجز عن تقديم أبسط متطلبات الرعاية الصحية؟
الأرقام والشهادات التي خرجت من هذه الحادثة تعتبر دليلاً صارخًا على تقاعس الحكومة وفسادها. الإصابات التي وصلت إلى 23 حالة اختناق، فضلاً عن الخسائر المادية، تعكس فشل إدارة المستشفيات في تأمين حياة المرضى والحفاظ على سلامتهم.
التحقيقات الأمنية أثبتت أن الحريق كان مدبرًا من قِبل المتهم “محمد ا. ج.”، لكن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المسؤولين عن هذا النظام الصحي المهترئ.