أعلنت شركة ستاربكس عن تراجع خطير في أرباحها خلال الربع المالي الأخير، حيث أظهرت الأرقام تراجعًا بنسبة 2% في الأرباح مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في مؤشر مقلق حول الوضع المالي للشركة.
وهذا التراجع لم يكن متوقعًا، خاصة في ظل السمعة القوية التي تتمتع بها ستاربكس عالميًا. لكن الحقيقة الصادمة تكمن في أن مبيعات الشركة تراجعت إلى 8.56 مليارات دولار، وهو انخفاض ليس بالقليل في سوق منافسة للغاية.
الأسوأ من ذلك، هو ما أظهره سهم الشركة من انخفاض كبير وصل إلى 12%، مما يشير إلى أزمة مالية عميقة قد تهدد استقرارها في المستقبل القريب.
في تصريحات مثيرة للجدل، أرجع المدير التنفيذي للشركة هذا التراجع إلى حملات المقاطعة الواسعة التي استهدفت ستاربكس نتيجة لتوجهات الشركة السياسية، تحديدًا دعمها لإسرائيل، وهو ما أشعل الغضب في العديد من الأسواق العربية والعالمية.
لا شك أن هذه التطورات تشير إلى أزمة لا يمكن تجاهلها، حيث باتت ستاربكس في مواجهة عاصفة اقتصادية نتيجة لقرارها الذي وضعها في موقف حرج. الحملة التي أطلقها العديد من المستهلكين حول العالم في الفترة الأخيرة كانت قاسية ومدروسة، ما دفع الشركة إلى خسارة جزء كبير من قاعدة عملائها.
هذا التراجع الحاد في المبيعات والأرباح يعكس حجم الأزمة التي تعيشها ستاربكس، ويطرح تساؤلات عديدة حول قدرة الشركة على التعافي منها في ظل هذه الظروف الصعبة.
منذ اللحظة التي أعلنت فيها ستاربكس دعمها لإسرائيل في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة العربية حالة من التوتر الشديد والصراع الدموي، كان من الواضح أن الشركة تتجه نحو مصير مجهول.
فما كان من العديد من العملاء إلا أن قرروا المقاطعة الشاملة للعلامة التجارية احتجاجًا على هذه المواقف السياسية التي اعتبروا أنها تعارض مبادئهم الإنسانية وأهدافهم السياسية.
وقد اجتاحت موجة من الغضب منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت دعوات المقاطعة على نطاق واسع، ما أثر بشكل واضح على مبيعات الشركة.
الأمر الذي يزيد من تعقيد الصورة هو أن هذه الأزمة لم تقتصر على الأسواق العربية فقط، بل شملت العديد من الأسواق الغربية أيضًا. فقد شهدت ستاربكس انخفاضًا ملحوظًا في الطلب على منتجاتها في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية، حيث تمثل هذه الأسواق جزءًا كبيرًا من إيرادات الشركة.
في هذا السياق، يمكن القول إن ستاربكس تواجه ضغوطًا كبيرة من مختلف الاتجاهات، ولا يبدو أن الشركة قادرة على التعامل مع هذه الضغوط بسهولة.
وتزداد الأمور سوءًا عندما نأخذ بعين الاعتبار أن الحملات الإعلامية المناهضة لشركة ستاربكس لم تقتصر على المقاطعة فقط، بل امتدت لتشمل حملات توعية إعلامية ودعوات لمقاطعة أي منتج يحمل شعار الشركة.
كما أن تفاعل الجمهور في بعض الأسواق كان شديدًا لدرجة أن العديد من المتاجر المحلية في بعض البلدان قررت إغلاق أبوابها احتجاجًا على مواقف ستاربكس، مما أثر بشكل مباشر على نتائجها المالية.
من خلال هذه الأزمة، تتضح حقيقة مرّة وهي أن الشركات الكبرى لم تعد قادرة على فصل مواقفها السياسية عن استراتيجياتها التجارية. فالاقتصاد العالمي لم يعد يقبل بالمواقف السياسية غير المدروسة التي تثير الانقسام بين الناس وتؤثر على استقرار الأسواق.
ففي عالم أصبح فيه الوعي السياسي والإنساني جزءًا أساسيًا من قرارات المستهلكين، تتحمل الشركات مسؤولية كبيرة تجاه مواقفها السياسية التي قد تؤثر بشكل مباشر على أدائها المالي.
ومن هذا المنطلق، يواجه المدير التنفيذي لشركة ستاربكس تحديًا كبيرًا في إعادة الشركة إلى الطريق الصحيح. ورغم المحاولات التي قد تبذلها الشركة لإعادة بناء جسور الثقة مع عملائها، إلا أن الواقع يشير إلى أن التحدي أكبر من مجرد حملة إعلامية أو تبريرات يتم تقديمها. فالضرر الذي لحق بسمعة ستاربكس قد يكون عميقًا، ومن غير السهل التراجع عنه.
هذه الأزمة تكشف أيضًا حقيقة أخرى تتعلق بحجم التأثير الذي قد يحدثه الجمهور في عالم الأعمال. حيث أصبحت الشركات الكبرى مضطرة إلى مراعاة مشاعر المستهلكين وتوجهاتهم السياسية إذا كانت تريد الحفاظ على مكانتها في السوق.
إذا كانت ستاربكس تأمل في تعافي سريع، فعليها أولًا أن تتحمل المسؤولية عن مواقفها السابقة وتعبر عن اعتذارها بشكل صريح. ولكن حتى في حالة اعتذارها، سيكون من الصعب استعادة جميع العملاء الذين قرروا أن يكونوا جزءًا من حملات المقاطعة.
وتكشف هذه الأزمة عن حقيقة مريرة أخرى: وهي أن ستاربكس قد تكون قد اختارت الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ. وهذا القرار قد يلاحقها طويلًا، ويترك آثارًا عميقة في سمعتها وفي أدائها المالي.