تعاني صناعة القطن في مصر من تراجع كبير نتيجة التقاعس الحكومي والفساد المستشري في مؤسسات الدولة حيث تراجعت صادرات مصر من القطن بشكل ملحوظ بنسبة 22% في عام 2023 مقارنة بالعام الذي قبله حيث بلغت قيمة صادرات القطن 523 مليون دولار في عام 2023 مقابل 669.7 مليون دولار في عام 2022. وهذا التراجع الحاد يعكس فشل الحكومة المصرية في إدارة هذه الصناعة التي كانت يوماً ما أحد الأعمدة الاقتصادية الأساسية في البلاد.
لا شك أن القطاع الزراعي المصري وخاصة صناعة القطن كانت في قلب اقتصاد الدولة لسنوات طويلة وكان من المتوقع أن تشهد صادرات القطن المصري نمواً ملحوظاً في ظل زيادة الطلب العالمي على هذا المنتج الاستراتيجي ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً نتيجة للتقاعس الواضح من الحكومة المصرية في إدارة هذا الملف. فبدلاً من أن تستفيد الدولة من هذه الفرصة الذهبية لتطوير صناعة القطن وفتح أسواق جديدة أمامها وتوفير الدعم اللازم للمزارعين المصريين فقد تم تهميش هذه الصناعة الهامة وتركها تواجه مصيرها البائس.
من المؤسف أن هذه الصناعة التي طالما كانت مصدر رزق لملايين المصريين سواء من خلال الزراعة أو التصنيع أو التصدير قد تعرضت لانخفاض حاد في صادراتها بسبب الإهمال الحكومي الذي طال كافة جوانبها. الحكومة المصرية لم تحرك ساكناً لتحفيز الإنتاج أو دعم الفلاح المصري الذي يعاني من غلاء أسعار المدخلات الزراعية وارتفاع تكاليف الإنتاج فضلاً عن ضعف أسعار البيع مقارنة بأسعار المنتجات الزراعية الأخرى.
تجد الحكومة نفسها في موقف ضعيف بسبب غياب الخطط التنموية الفعالة التي من شأنها أن تدعم صادرات القطن المصري بل على العكس استمر الفساد في مؤسسات الدولة في أن يجعل الأمور أسوأ. فكلما حاولت الشركات الخاصة استيراد المدخلات الزراعية أو تصدير المنتجات كانت تواجه العراقيل والمشاكل المتعددة نتيجة للإجراءات البيروقراطية الطويلة والمكلفة والتي لا تنتهي.
وإلى جانب ذلك فإن الشهادات التي تتحدث عن فساد بعض المسؤولين في الحكومة تزيد من الطين بلة حيث لا تزال هناك أوجه فساد مستشرية داخل الوزارة المعنية بهذا القطاع والتي تقف حجر عثرة أمام تطور هذا القطاع الزراعي المهم. فهذه الوزارة لم تتمكن من توفير الحد الأدنى من الدعم للمزارعين المصريين سواء كان على مستوى توفير البذور الجيدة أو الأسمدة أو الدعم الفني أو حتى التأمين على المحاصيل.
وكان من المتوقع أن يكون القطن المصري في طليعة صادرات الدولة ولكن تراجعت جودة الإنتاج بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تقليل الطلب عليه في الأسواق العالمية وهو ما أسهم بشكل مباشر في انخفاض حجم صادرات القطن. ففي الوقت الذي يعاني فيه القطن المصري من تدني مستوى جودته مقارنة بمثيله من الدول الأخرى التي تمتلك تقنيات زراعية متقدمة نجد أن الحكومة المصرية تتجاهل تماماً تطبيق الحلول المناسبة لتطوير الصناعة الزراعية بشكل عام.
في السنوات الماضية كان يتم تصدير القطن المصري إلى العديد من الدول العربية والأوروبية ولكن الآن أصبحت تلك الأسواق تفضل القطن المستورد من دول أخرى مثل الولايات المتحدة والهند وباكستان. فبدلاً من أن يكون القطن المصري مرادفاً للجودة أصبح من السهل على العديد من الدول أن تتفوق عليه في جودته مما أدى إلى تراجع الطلب عليه وبالتالي انخفاض صادراته.
إن الحكومة المصرية بدلاً من أن تسعى لتحسين جودة المنتج وتطوير أساليب الإنتاج والتسويق لم تلتفت إلى هذه الأزمات المتراكمة بل واكتفت بالتصريحات الإعلامية التي لا تنفذ على أرض الواقع. ففي الوقت الذي تعاني فيه صناعة القطن من تراجع حاد في الصادرات نجد أن الحكومة تشهد حالة من الجمود التام في مواجهة هذا التحدي.
في الختام يمكن القول إن تراجع صادرات مصر من القطن بنسبة 22% في عام 2023 هو نتيجة حتمية للإهمال الحكومي وغياب الخطط التنموية الفعالة التي يمكن أن تحقق لهذا القطاع الانتعاش المطلوب. كما أن الفساد المستشري في بعض الدوائر الحكومية قد أسهم في تفاقم الأزمة بدلاً من أن يسهم في حلها. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فسيظل قطاع القطن في مصر يواجه التحديات والانتكاسات دون أن تجد له الحكومة حلولاً حقيقية قابلة للتنفيذ.