تقاريرمصر

فساد وزارة الكهرباء والشركة القابضة: تواطؤ الحكومة واستهتار المسؤولين بمصالح الشعب

تشهد وزارة الكهرباء والطاقة، وكذلك الشركة القابضة لكهرباء مصر، حالة من الفساد المستشري الذي بات يشكل تهديداً جسيماً لهيكل القطاع الذي يشرف على الكهرباء في البلاد.

في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المؤسسات الحكومية دافعة نحو الإصلاح، نجد أن الفساد وتجاوزات المسؤولين باتت القاعدة وليس الاستثناء. خلال السنوات الأخيرة،

كان واضحاً أن رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر وبعض نوابه قد استغلوا منصبهم لأغراض شخصية، وقاموا بتوقيع عقود مع شركات خاصة بعد خروجهم من الخدمة، ما يثير الشكوك حول ممارساتهم ويفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول وجود علاقة فساد مع تلك الشركات.

من بين هذه التساؤلات، يبرز لماذا يتمكن رؤساء الشركات ونوابهم في قطاع الكهرباء من إبرام عقود مع شركات كان لهم معها تعاملات مباشرة أثناء فترة عملهم؟

الأمر الذي يطرح إشارات استفهام حول النوايا والمصالح الشخصية التي قد تكون وراء هذه العقود. من السهل ملاحظة أن القليل من هؤلاء المسؤولين الذين خرجوا إلى التقاعد مباشرةً، يعيدون تكرار نفس الأعمال التي كانوا يشرفون عليها في الشركات الحكومية، بل وقد يستغلون معرفتهم العميقة بالقطاع لتوجيه مسارات الشركات الخاصة نحو تحقيق مصالحهم الخاصة.

إن الفساد في هذا القطاع لا يقتصر على من هم في مناصب عليا فحسب، بل يتسرب إلى جميع مستويات القيادة الإدارية، حيث يتم تعيين موظفين بعيدين كل البعد عن معايير الكفاءة والمساواة. فعملية اختيار المسؤولين في هذه المناصب ليست قائمة على الجدارة والكفاءة، بل على المحسوبية والمجاملات الشخصية.

هذا الوضع انعكس بشكل سلبي على أداء القطاع، حيث أصبح من يخرج للتقاعد في معظم الحالات لا يترك مكانه فارغاً، بل يستمر في العمل في الشركات الخاصة التي كانت له تعاملات معها أثناء فترة عمله، ما يعزز الممارسات الفاسدة ويؤدي إلى تضارب المصالح.

ومن الأبرز في هذا السياق ما يحدث مع رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر الذي خرج من الخدمة منذ أكثر من خمس سنوات، ليظل يتولى أكثر من منصب في شركات خاصة ويشغل عضوية مجالس إدارات عديدة، ما يجعله في موقف يمكنه من التأثير على قرارات الشركات الكبرى في القطاع.

هذا الاستمرار في السيطرة على المناصب بعد المعاش يعكس حالة من الفساد المتأصلة في هيكل الوزارة والشركة القابضة، والتي لم تجد حتى الآن أي تدخل جاد من الحكومة لتصحيح الوضع.

أما بالنسبة للمسؤولين عن تنظيم أعمال هذه الشركات، فإنهم يظلّون عاجزين عن تقديم تفسيرات مقنعة لما يحدث من تجاوزات وفساد. فتصرفات رئيس الشركة القابضة، الذي يتعامل مع شركات مثل “أبو شقرة” و”طأطأ”، تتجاوز مجرد تناول وجبات في المطاعم، بل يمكن أن تتضمن استخدام أموال الشركة في أغراض شخصية غير مشروعة.

كل هذه التصرفات تحدث دون أن يخرج أي تعليق رسمي من الوزارة أو الحكومة، بل يُترَك الأمر ليظل غامضاً وتحت ستار من التعتيم.

وإذا أردنا التوسع في الحديث عن الفساد المستشري داخل الوزارة، يمكننا الإشارة إلى نماذج أخرى تعكس حالة التراخي الحكومي في محاربته. وزير الكهرباء السابق ورؤساء بعض الشركات كانوا يتحملون مسؤوليات خطيرة، بينما كانوا في الوقت نفسه يتعاملون مع شركات خاصة تجلب لهم فوائد مالية ضخمة.

هذه الروابط التي يتم الإبقاء عليها بعد التقاعد لا تقتصر على مجال واحد، بل تشمل العديد من القطاعات داخل الوزارة، مما يسهم في نشر الفساد بشكل أفقي في جميع مستويات العمل في الوزارة.

من جهة أخرى، كيف يمكن تبرير التعيينات والترقيات التي تجري على أساس المجاملات والعلاقات الشخصية دون النظر إلى معايير الكفاءة؟ فعملية الاختيار لا تركز على المميزات الوظيفية أو الأداء، بل على المحاباة والفساد الداخلي، مما يعزز وجود طبقات غير مؤهلة في المناصب القيادية.

هذا الوضع يجعل من المستحيل على أي عامل أو موظف في قطاع الكهرباء أن يتقدم أو يحقق طموحاته المهنية، حتى لو كان يمتلك الكفاءة اللازمة. أما من يتسلقون المناصب عن طريق العلاقات والنفوذ فيستمرون في تسلق السلم الإداري دون أن يواجهوا أي محاسبة.

إن الوضع الذي يعيشه القطاع الآن يعكس تراجعاً في تطبيق العدالة والمساواة، بل يشكل تهديداً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر. فالكثير من القيادات العليا في الشركات القابضة يعملون في مواقع لا يستحقونها، ويستمرون في خدمة مصالحهم الخاصة دون رادع.

وعند الحديث عن الرقابة، نجد أن الأجهزة الرقابية قد أُجهِضت تماماً في التعامل مع هذه القضايا، مما يؤدي إلى استمرار دورة الفساد دون أي محاسبة أو عقاب حقيقي. فما يحدث في وزارة الكهرباء والشركة القابضة ما هو إلا جزء من شبكة فساد أوسع يتورط فيها العديد من المسؤولين في الحكومة.

وفيما يخص العقوبات التأديبية على المسؤولين الفاسدين، نجد أن اللوائح المعمول بها في الوزارة والشركات القابضة تقتصر على عقوبات غير فعالة، مثل التنبيه واللوم، وهو ما يعكس الفشل الذريع في تطبيق العدالة داخل القطاع.

بل إن بعض القيادات تستمر في مناصبها رغم تورطها في مخالفات جسيمة، بينما يتمكنون من الإفلات من العقوبات بفضل علاقاتهم الواسعة وتأثيرهم الكبير في اتخاذ القرارات.

أخيراً، يأتي السؤال الأهم: ماذا قدمت الحكومة في مواجهة هذه الظاهرة؟ الإجابة واضحة، إذ أن الحكومة تكتفي بتصريحات وتوجيهات لا تطبق على أرض الواقع، وتستمر في غياب المحاسبة الجادة للمسؤولين الفاسدين.

إن الفساد في قطاع الكهرباء ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو نظام متكامل يستفيد منه عدد من الأشخاص الذين لا يتوانون عن استغلال منصابهم لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.

ففي النهاية، محظوظون أهل الفساد لأنهم جزء من صفوة النظام الفاسد، يعيشون في أمان، بينما يعاني المواطنون من التدهور المستمر في قطاع الكهرباء والتجاهل المستمر من الحكومة المصرية لهذه القضية الحيوية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى