في الوقت الذي يواجه فيه المواطن المصري موجة غير مسبوقة من الغلاء المعيشي وزيادة الأسعار بشكل يومي، وتزيد معاناته بسبب ارتفاع تكاليف الحياة، تصدر الحكومة قرارات غير فعالة تحت مسميات “زيادة” و”حوافز”، لكن الواقع يُثبت عكس ذلك تمامًا.
آخر هذه الوعود كان ما أُعلن عن زيادة قدرها 800 جنيه تحت مسمى “حافز تطوير التعليم”، والذي لم يكن إلا خدعة جديدة تُضاف إلى سلسلة طويلة من محاولات خداع الموظفين وإيهامهم بوجود تحسن في أوضاعهم المالية.
تُظهر الأرقام التي تم إعلانها في هذا السياق مدى قلة قيمة هذا المبلغ مقارنة بالحياة المعيشية الصعبة التي يعيشها الموظف في ظل الغلاء المستمر.
ففيما أُعلن عن مبلغ 800 جنيه كحافز للمعلمين من مختلف الفئات، تبيّن أن هذا المبلغ ليس سوى “فتات” لا يُذكر مقارنة بما يواجهه المعلم من تحديات اقتصادية.
إذ يتبين أنه وبناءً على تفاصيل الحسابات المعلنة من قبل مديريات التربية والتعليم، فإن المعلم المساعد والمعلم العادي الذي يدرس 96 حصة شهريًا، يحصل على 800 جنيه مقسمة على عدد الحصص ليصل بذلك المبلغ إلى 8.33 جنيه عن كل حصة.
إذا انتقلنا إلى معلم أول الذي يؤدي 88 حصة شهريًا، سنجد أن المبلغ الذي يحصل عليه لا يتجاوز 9.09 جنيه عن كل حصة، بينما معلم أول أ الذي يؤدي 80 حصة شهريًا يحصل على 10 جنيهات عن كل حصة.
أما معلم الخبير الذي يؤدي 72 حصة، فيحصل على 11.11 جنيه عن كل حصة. وبالنسبة لمعلم الكبير الذي يؤدي 64 حصة شهريًا، فإنه يحصل على 12.50 جنيه عن كل حصة.
لكن هنا تكمن المشكلة الحقيقية: 800 جنيه على الورق قد يبدو مبلغًا مغريًا، ولكن الواقع أن هذا المبلغ ليس ثابتًا ولا يمكن للمعلم أن يعتمد عليه كمصدر دخل ثابت.
فكلما قلّ عدد الحصص التي يؤديها المعلم، تقلّ قيمة الحافز الذي يحصل عليه، ليصبح هذا المبلغ غير مجدٍ في ظل الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الموظفون في مصر.
والأدهى من ذلك، أن الحافز يعتمد على مدى التزام المعلم بالحضور الفعلي، حيث يُشترط حضور 20 يوم عمل شهريًا، وفي حالة غياب المعلم لأكثر من 5 أيام، يتم خصم مبلغ 40 جنيهًا عن كل يوم غياب.
هذا يعني أن المعلم قد يخسر الحافز كليًا إذا تخلف عن الحضور أكثر من 5 أيام، مما يجعله عرضة لخصومات إضافية، في وقت يعاني فيه الجميع من مشكلات اقتصادية وتجهيزات منزلية غاية في التعقيد.
وعلاوة على ذلك، تُصرف هذه الحوافز على أساس “حصص فعلية” مما يضع عبئًا إضافيًا على المعلمين الذين يعملون في مدارس تعاني من نقص في المعلمين، فيضطرون إلى العمل لساعات إضافية غير مدفوعة، في حين تظل الحكومة مصرّة على دفع “فتات” من الحوافز التي لا تساوي شيئًا أمام الاحتياجات الحقيقية للمواطن.
كما أن هذه الزيادة لا تشمل الإداريين الذين تم تسوية أوضاعهم، بل فقط المعلمين في الصفوف من الأول الابتدائي حتى الأول الإعدادي، مما يعكس التمييز بين فئات العاملين في قطاع التعليم.
إن هناك معايير صارمة وصعبة تُفرض على الموظف ليحصل على الحافز، من بينها ضرورة التوقيع في دفتر الحضور لمدة 20 يوم عمل شهريًا، ما عدا شهر فبراير حيث يتم تقليص عدد الأيام إلى 18 يومًا.
وفي حال كان الحضور أقل من 15 يومًا شهريًا، يتم حرمان المعلم من حافز تطوير التعليم، ما يشير إلى تجاهل تام للظروف الشخصية والمعيشية للمعلمين، الذين قد يواجهون مشكلات صحية أو عائلية قد تعيق حضورهم اليومي.
أما بالنسبة للمنتدبين من معلمين وغيرهم، فتؤكد التعليمات أنه يتم صرف الحافز لهم من الجهة المستفيدة من عملهم. لكن في حال كان المعلم منتدبًا جزئيًا، فإنه يحصل على الحافز من الجهة الأصلية التي يعمل بها، مع ضرورة وجود خطاب رسمي معتمد من الجهة المنتدب إليها يوضح عدد الحصص المقررة، مما يعكس حالة من التكدس الإداري والبيروقراطية التي تزيد من تعقيد الوضع ولا تحل المشكلة.
ومن هنا تظهر الصورة المظلمة للواقع الذي يعيش فيه المعلمون. 800 جنيه كحافز ليس سوى وسيلة للتخدير، بينما الحكومة تستمر في تجاهل الواقع الصعب الذي يعيشه المعلم المصري.
في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من مشكلات اقتصادية خانقة، تظل الوعود الحكومية غير قابلة للتحقيق، ويبقى المواطن هو الضحية. الحكومة لا تلتفت للمعاناة الحقيقية للمواطنين، بل تواصل التلاعب بالأرقام لتجميل الواقع الذي يعيشه المواطن.
لقد بات واضحًا أن هذه “الزيادة” التي تم الإعلان عنها ليست إلا لعبة رخيصة في محاولة لإسكات الشارع المصري الذي يعاني من الفقر والعوز.
في حين أن هناك حاجة ماسة لتحسين الأوضاع المالية للموظفين، لم تفكر الحكومة إلا في تقديم حلول مؤقتة لا تفيد في شيء. لا يمكن لأي زيادة مهما كانت قيمتها أن تساوي شيئًا أمام معاناة الموظفين في ظل الغلاء الفاحش الذي يضرب جميع القطاعات.