مقالات ورأى

د.سمير عبد العزيز يكتب: اللوجستية .. الفرص والتهديدات!

تواجه سوريا الحرة حالياً العديد من التحديات، والتي من بينها موقعها الجغرافي، الذي يمثل فرصة كبيرة لتتحول سورياً إلى مركز لوجستي كبير يربط الإقليم بعضه بعضا، وفي قلب الفرصة يكمن التهديد، مثل هل ستقبل قوى إقليمية وعالمية بذلك، أم إن سوريا الجديدة لن تتنظر تلك الموافقات من هنا وهناك، وستنطلق بحرص وحذر لتحقيق مصالحها ومصالح شعبها بعد الحرمان الكبير الذي طالها ودام لعقود في ظل حكومات حزب البعث وعائلة الأسد؟

تتميز سوريا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي جعلها عبر التاريخ نقطة التقاء بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقيا. هذا الموقع الفريد يجعل من سوريا مركزًا لوجستيًا جاذبًا يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تعزيز التجارة الإقليمية والدولية. في هذا المقال، سنستعرض أهمية الموقع الجغرافي لسوريا، ونناقش الإمكانيات والفرص التي يمكن أن تجعلها مركزًا لوجستيًا إقليميًا مميزًا.

كما تكمن الأهمية الجغرافية لسوريا في أنها تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط، وتمتد حدودها على طول البحر الأبيض المتوسط من الغرب، مما يمنحها إمكانية الوصول البحري إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية. تحدها تركيا من الشمال، والعراق من الشرق، والأردن من الجنوب، ولبنان وفلسطين من الغرب. هذا الموقع يجعل منها جسرًا طبيعيًا يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، مما يعزز دورها بوصفها معبرا تجاريا رئيسيا.

ولهذا الموقع الجغرافي العديد من المميزات، منها: القرب من الأسواق العالمية، حيث تبعد سوريا مسافات قصيرة نسبيًا عن المراكز الاقتصادية الكبرى في أوروبا وآسيا، كما توفر موانئها على البحر المتوسط منفذًا حيويًا للتجارة الدولية. إضافة إلى شبكة النقل والمواصلات، حيث يمكن لسوريا أن تكون نقطة ربط بين خطوط السكك الحديدية الممتدة من أوروبا إلى دول الخليج العربي، وكذلك الطرق البرية التي تربط بين الدول المجاورة وتجعل منها حلقة وصل رئيسية لنقل البضائع. أضف إلى ذلك البنية التحتية الطبيعية من وجود سهول واسعة يمكن استغلالها لإقامة مراكز لوجستية ضخمة، كما يساعد المناخ المعتدل في تحسين عمليات التخزين والنقل.

وعلى مستوى الإمكانيات والفرص، فإنه يمكن تحويل الموانئ إلى مراكز تجارية إقليمية، وذلك من خلال تطوير موانئ مثل ميناء طرطوس واللاذقية لتكون مراكزا للشحن البحري، وتحسين خدمات الشحن والتفريغ لجذب المزيد من السفن التجارية. كما يمكن تطوير قطاع النقل البري، وذلك من خلال إنشاء شبكات طرق سريعة تربط بين سوريا والدول المجاورة، وتحسين البنية التحتية للنقل البري لاستيعاب الطلب المتزايد على الخدمات اللوجستية.

كما يمثل ربط السكك الحديدية فرصة عبر تطوير خطوط السكك الحديدية التي تربط بين تركيا، والعراق، والأردن، وتعزيز النقل العابر للقارات باستخدام خطوط السكك الحديدية الحديثة. إضافة إلى تسهيلات الاستثمار الذي يعتبر فرصة كبيرة من خلال تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والدوليين في مجال اللوجستيات، وعبر إنشاء مناطق حرة اقتصادية لتعزيز التجارة.

لكن هناك العديد من التحديات التي تواجه سوريا، أحاول هنا أن أسلط الضوء على بعضها. فالوضع الأمني والسياسي يمثل تحدياً وبخاصة في ظل إشكالات المرحلة الانتقالية التي قد تؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتتسبب في إضعاف ثقة المستثمرين الأجانب نتيجة للأوضاع غير المستقرة والتي هي قيد الترقب الحذر بعد نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد وتولي قيادة المرحلة الانتقالية عبر هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع.

كما تمثل البنية التحتية المتهالكة تحدياً كذلك، الأمر الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل الموانئ وشبكات النقل. إضافة إلى العقوبات الاقتصادية والتي أدت إلى فرض قيود على التجارة مما قد يؤثر على قدرة سوريا على التوسع في المجال اللوجستي.

وفي هذا التوقيت، لا يمكن تجاوز ما يمكن أن نسميه الفرص المستقبلية، ومن ذلك مثلاً إعادة الإعمار، حيث يمكن أن تكون عملية إعادة الإعمار فرصة لإنشاء بنية تحتية حديثة، وكذلك جذب شركات دولية للمساهمة في تطوير القطاعات اللوجستية. ومن بين تلك الفرص الشراكات الإقليمية، والتي منها الدخول في شراكات مع دول الجوار لتعزيز التعاون التجاري، والانضمام إلى مبادرات إقليمية مثل مشروع “الحزام والطريق” الصيني وفق أولويات سوريا الجديدة وبما يحقق مصالحها ومصالح جيرانها وإقليمها، وغيرهم من المشروعات والمبادرات.

كما تمثل التكنولوجيا والابتكار فرصة مستقبلية، وذلك من خلال الاستثمار في التكنولوجيا لتحسين الكفاءة في إدارة الخدمات اللوجستية، وعبر إنشاء منصات إلكترونية للتجارة وتسهيل حركة البضائع.

وأخيرا يمكنني القول إنه يمكن لسوريا، بفضل موقعها الجغرافي المتميز، أن تتحول إلى مركز لوجستي إقليمي إذا تم استغلال الفرص المتاحة بشكل فعال وتجاوز التحديات الحالية. ويتطلب ذلك استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وتوفير بيئة استثمارية مستقرة. كما يمكنني أن أعتبر أن نجاح سوريا في هذا المجال لن يعزز اقتصادها فحسب، بل سيضعها في قلب التجارة العالمية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى