تقارير

تعثر تفعيل مبادرة البنك المركزي لتمويل القطاعات الإنتاجية بفائدة 15% يفضح الفساد الحكومي

رغم إعلان الحكومة في مارس الماضي عن إطلاق مبادرة تهدف إلى دعم القطاعات الإنتاجية والصناعية بفائدة 15% لتسهيل تمويل الشركات وتوفير قروض ميسرة، إلا أن هذه المبادرة لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن، مما يعكس تقاعسًا شديدًا من قبل الحكومة في معالجة القضايا الاقتصادية العاجلة التي يعاني منها القطاع الصناعي في مصر.

على الرغم من رفع الحكومة المصرية نسبة الفائدة في المبادرة من 11% إلى 15% في خطوة كانت تهدف إلى تسهيل الحصول على التمويلات للشركات والمصانع، إلا أنه وحتى هذه اللحظة، لم يتم تفعيل أي من هذه التمويلات.

فقد أبدت مصادر مصرفية ومصانع عدة استياءً شديدًا من تعطل المبادرة، مؤكدين أن طلباتهم التي تم تقديمها إلى البنك المركزي لم تلق أي رد أو موافقة حتى الآن.

أحد المصادر من القطاع المصرفي أوضح أن البنوك لم تتلقَ أي موافقة من البنك المركزي على تمويل أي من الطلبات التي تقدمت بها الشركات في إطار المبادرة.

هذا العجز في الاستجابة يمثل صورة واضحة عن الفشل الحكومي في تفعيل المشاريع التي تم الإعلان عنها في الوقت المناسب، ويظهر غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدعم القطاع الصناعي الذي يشكل أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني.

كما أكد مصدر آخر في أحد البنوك الخاصة أن البنك المركزي تواصل مع البنوك المشاركة في المبادرة، وأصدر تعليمات صريحة بعدم تقديم أي تمويلات للقطاعات الإنتاجية ضمن المبادرة، وهو ما يعكس ترددًا حكوميًا واضحًا في دعم هذه القطاعات الحيوية رغم الحاجة الماسة لذلك.

لقد كان من المفترض أن توفر هذه المبادرة دعمًا حيويًا للمصانع والشركات في وقت تحتاج فيه البلاد إلى زيادة الإنتاج المحلي والتصدير في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر.

لكن على العكس من ذلك، يبدو أن البنك المركزي يفضل تحميل هذه الفجوة الاقتصادية للشركات بدلاً من العمل على تفعيل المبادرة وفقًا لما تم الاتفاق عليه.

وفي وقت لاحق، تم الإعلان عن زيادة أسعار الفائدة في مارس الماضي بنسبة 6% في خطوة اعتبرت من قبل البعض بأنها تهدف إلى التصدي للتضخم وحماية العملة المحلية.

ورغم تلك الزيادة، فإن هذه الإجراءات لم تساهم بشكل فعّال في دعم القطاعات الإنتاجية، بل على العكس أدت إلى زيادة الأعباء المالية على الشركات.

وسط هذه الممارسات الحكومية الفاشلة، كانت قد صدرت تصريحات عديدة تشير إلى أن الحكومة كانت قد قررت ترتيب القطاعات الصناعية للحصول على دعم من المبادرة لشراء الآلات والمعدات ورفع رأس المال العامل.

لكن ما أن تجرأ البعض على المحاولة والاستفادة من هذه المبادرة، حتى وجدوا أنفسهم في مواجهة مع تعقيدات بيروقراطية وقرارات غير منطقية من قبل البنك المركزي الذي يبدو أنه لا يملك خطة واضحة لدعم هذا القطاع الهام.

وفي هذا السياق، وصف أحد المسؤولين في القطاع المصرفي المبادرة بأنها “معطلة”، بل وأكد أن تفعيل المبادرة بشكل عاجل سيكون ضروريًا لتقليص الفجوة بين أسعار الفائدة في البنك المركزي وأسعار الفائدة في المبادرة نفسها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تدني فرص الشركات في الحصول على التمويل الضروري لاستمرار عملها.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهب آخرون من ممثلي القطاع الصناعي إلى التأكيد على أن المبادرة التي كانت تهدف إلى دعم القطاع الصناعي بفائدة منخفضة قد فشلت في التفعيل منذ بداية الإعلان عنها، مما يزيد من شعور الشركات بالإحباط ويقلل من ثقتها في قدرة الحكومة على معالجة مشاكل القطاع الصناعي.

أما في قطاع الأدوية، فقد أكد أحد مسؤولي القطاع أنه على الرغم من الحديث عن دخول المبادرة حيز التنفيذ، فإن الحقيقة هي أن جميع القطاعات الإنتاجية والصناعية لم تستفد من المبادرة حتى الآن. وهذه الحالة تعكس التدهور الكبير في قدرة الحكومة على دعم الصناعات الأساسية في مصر، بل قد تشير إلى وجود تقاعس متعمد أو فساد حكومي مستشري يعرقل التقدم الاقتصادي.

إن عدم تفعيل المبادرة وتجاهل الاحتياجات العاجلة للقطاع الصناعي يضع الحكومة في موقف محرج ويعكس عدم قدرتها على إدارة الأزمات الاقتصادية بشكل فعال. هذا التأخير في تفعيل المبادرة يتزامن مع فشل آخر في دعم الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات، مما يزيد من الضغوط على الشركات ويجعلها تواجه صعوبات كبيرة في مواكبة تحديات السوق المحلية والدولية.

وبالنظر إلى التحديات التي تواجهها مصر في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، لا بد من طرح تساؤل مهم: هل حقًا تسعى الحكومة لدعم القطاعات الإنتاجية والصناعية أم أنها تفضل المماطلة والتأجيل لوقت غير معلوم؟ إن هذا الواقع يشير إلى أن الحكومة المصرية قد أظهرت عجزًا في إدارة المبادرات الاقتصادية، مما يزيد من حدة المشاكل الاقتصادية ويفاقم معاناة المواطنين.

المؤسف أن هذا التباطؤ الحاد في تفعيل المبادرة يؤكد أن الحكومة لا تدرك تمامًا الأهمية القصوى لدعم الصناعات الإنتاجية في هذا الوقت العصيب، بل إن هذا التلكؤ في التنفيذ هو بمثابة ضربة قاصمة لآمال المستثمرين والشركات التي تنتظر الضوء الأخضر لإنقاذ أعمالها وتحقيق الاستقرار المالي في هذه الأوقات العصيبة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى