تقاريرثقافة وفنون

فضائح فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة في شرق الدلتا: تدمير 35 ألف كتاب وإهدار الملايين

في ظل صمت الجميع وغياب أي تحرك جاد من قبل الجهات المعنية بالثقافة في مصر تواصل الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة من الفساد الإداري والمالي التي تقوض النظام الثقافي في إقليم شرق الدلتا.

ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لتطوير المشهد الثقافي والإبداعي، يتحول هذا الإقليم إلى مكان يُستغل فيه المال العام على حساب الثقافة والابداع الشعبي.

تتوالى الفضائح التي تكشف عن تدمير صروح ثقافية وإهدار أموال طائلة نتيجة تقاعس مستمر من قبل المسؤولين في الهيئة والمعنيين بالأمر.

من بين هذه الفضائح، فوجئ الجميع بزيارة قام بها نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى فرع ثقافة الشرقية في الشهر الحالي.

ورغم أن الزيارة كانت حدثًا مهمًا، إلا أن الإعلام الرسمي للفرع فاجأ الجميع بإعلان غير متوقع حول استقبال نائب الرئيس من قبل مسؤولين غير معتمدين، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول كيفية سير العمل داخل هذه الهيئة وأسلوب إدارة الفرع.

من بين الأفراد الذين تم الإشارة إليهم، شخص كان يشغل وظيفة رئيس قسم الأمن في الفرع ويفترض أنه كان المسؤول عن ضمان سير العمل بشكل سليم، إلا أنه تم اكتشاف تورطه في عدد من المخالفات والأحداث الغريبة، حيث تم الكشف عن إيجابية تحاليل المخدرات التي خضع لها هو وعدد من زملائه في القسم.

ورغم تلك الواقعة التي كان من المفترض أن تُشهر ضدهم عقوبات صارمة، تم منحهم استثناءات من قبل المشرفين على العمل الثقافي في الإقليم، وبدلاً من محاسبتهم تم ترقيتهم وتعيينهم في وظائف أخرى غير مؤهلة.

ثم جاء القرار الصادم بتكليف أحد الموظفين في الهيئة لتولي مسؤولية تسيير أعمال قصر ثقافة أبو كبير رغم أنه لا ينتمي إلى التخصص الثقافي ولا يملك المؤهلات اللازمة لذلك.

بل ما يثير الاستغراب أن هذا الشخص كان قد أثار ضجة في الفرع بسبب تلاعبات مختلفة تتعلق بالغياب المستمر عن العمل دون تقديم أسباب منطقية، ما أدى إلى تدني مستوى الأداء في الفرع.

تسائل العاملون في الفرع عن أسباب استمرار هذا الوضع المريب، والذي جعلهم يتساءلون عن مدى الرقابة على الأعمال الثقافية ومدى الشفافية في اتخاذ القرارات.

فلم يعد هناك أي أثر للمسؤولين عن متابعة الأداء أو توفير بيئة عمل مناسبة وفعالة، بل أصبح الوضع مزريًا في العديد من الأقسام، مما يضاعف أزمة تراجع الأنشطة الثقافية في الإقليم.

وقد أصبح من المعتاد أن تغيب معظم الموظفين عن مواقع عملهم يوميًا، حيث لم يكن من المفاجئ أن تجد العديد من الإدارات فارغة من الموظفين بحجة المأموريات المزيفة.

فضيحة أخرى ظهرت في قصر ثقافة منيا القمح، حيث تم اكتشاف أن مكتبة القصر كانت قد دُمِّرت بشكل ممنهج، وتمت سرقة محتوياتها بموافقة غير شرعية من قبل المسؤولين.

وبدلاً من أن يتم التحقيق في هذه الجريمة، تم التستر على الواقعة بشكل مريب، بل فاجأ المسؤولون بتقارير تشير إلى أن الكتب قد تم نقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن المنطقة، دون وجود أية توثيقات رسمية أو محاضر تسليم تضمن الحفاظ على المحتويات الثقافية.

وعلى الرغم من زيارة نائب رئيس الهيئة لموقع القصر، ورغم وعده بإنهاء الأعمال في غضون ستة أشهر، إلا أن القصر لا يزال مغلقًا، وتحولت هذه المؤسسة الثقافية إلى مكان مهجور. فهل هذا هو مستقبل المؤسسات الثقافية في مصر؟

ثم كانت الفضيحة الكبرى في مكتبة سنهوت الثقافية، حيث كانت توجد شبكة من العاملين الذين لم يقم أحد منهم بالعمل بشكل حقيقي.

وبدلاً من أن يكون هذا الموقع الثقافي مركزًا نابضًا بالحياة الثقافية، أصبح مجرد مكان مهجور لا يكاد يعرفه أحد سوى العاملين فيه.

والأغرب من ذلك أن عددًا كبيرًا من الموظفين كانوا غائبين طوال الشهر، وعندما يذهب أحدهم إلى الموقع، كان يتولى مهمة إغلاق الدفاتر فقط دون أن يكون هناك أي عمل ثقافي حقيقي يُنجز.

فضيحة أخرى تضاف إلى قائمة الفضائح المدوية التي تلاحق الهيئة، حيث تم تخصيص المسرح المتنقل لخدمة القرى المحرومة ثقافيًا.

ولكن الغريب في الأمر هو أن هذا المسرح تم استخدامه لإقامة فعاليات ضخمة في قرية سنهوا التابعة لمركز منيا القمح، وذلك في محاولة لإرضاء أحد المسؤولين الكبار في الهيئة، وهو ما يعد هدرًا صريحًا للمال العام.

ففي حين لا توجد أي خدمات ثقافية حقيقية في القرى الأخرى المجاورة، يتم تخصيص أموال طائلة لتنظيم فعاليات غير مجدية في أماكن محددة فقط.

أما بالنسبة للسينما في قصر ثقافة الزقازيق، فقد أثارت الأوضاع المالية حول تشغيل هذه السينما العديد من الأسئلة. فالتكاليف المرتبطة بتشغيل السينما تتجاوز الإيرادات التي تحققها بأرقام كبيرة. لا يوجد أي تفسير منطقي لهذا الهدر الواضح في المال العام، ويجب فتح تحقيق عاجل حول هذه الواقعة.

من غير المعقول أن يستمر هذا الوضع في وقت يتعين فيه تحسين إدارة الموارد المالية في المؤسسات الثقافية بشكل أكبر.

ولا يقتصر الفساد على هذا الحد فقط، بل امتد أيضًا إلى العمليات الوهمية التي تم تسويقها بشأن سينما الشعب بقصر ثقافة ديرب نجم. ففي حين كان من المفترض أن تعمل السينما وتحقق بعض الإيرادات، تم اكتشاف أنها لم تحقق أي دخل، بل كان يتم ذكر أسماء وهمية لتشغيلها على الورق فقط.

وعندما تم تقديم اعتذار من المسؤولين عن هذه الواقعة، لم يُتخذ أي إجراء قانوني ضدهم، مما يزيد من الشكوك حول كيفية إدارة هذه المؤسسات الثقافية.

في خضم هذا المشهد المظلم للثقافة في إقليم شرق الدلتا، يظل السؤال الأبرز قائمًا: متى سيتحرك المسؤولون الحقيقيون لوقف هذا الفساد المستشري؟ ومتى ستنتهي تلك السياسات التي تضر بالثقافة العامة؟

هناك حاجة ماسة إلى تحقيق جاد وفوري لضمان محاسبة جميع المسؤولين المتورطين في هذا الفساد الكبير، وذلك بهدف إعادة الثقة في العمل الثقافي الحكومي وفتح الأفق أمام جيل جديد من المبدعين.

تلك كانت بعض من فضائح الهيئة العامة لقصور الثقافة في إقليم شرق الدلتا، ورغم ذلك، لم يُتخذ أي إجراء حقيقي لتصحيح هذه الأخطاء التي تضر بمصلحة الوطن وبمستقبل الثقافة فيه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى