تواجه الحياة الحزبية في مصر أزمة حقيقية، إذ أصبحت العديد من الأحزاب عاجزة عن القيام بدورها الأساسي في تمثيل الجماهير والمشاركة الفاعلة في صناعة القرار. حيث تحوّلت معظمها إلى كيانات شكلية تفتقر إلى الفاعلية الحقيقية، وتعاني من غياب الدعم المجتمعي والسياسي. هذه الأزمة ليست مرتبطة بعدم الحاجة إلى الأحزاب، ولكن بغياب البيئة التي تسمح لها بالعمل بحرية والتواصل مع الجماهير.
وجود الأحزاب السياسية ليست رفاهية، بل ضرورة لضمان التعددية السياسية وإتاحة الفرصة لتمثيل كافة فئات المجتمع. فالأحزاب هي أدوات للتغيير السلمي والمنظم، وهي التي تمنح المواطنين مساحة للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرار
في المشهد السياسي المصري، يعاني العمل الحزبي من الاحتكار لصالح حزب أو حزبين معروفين بانتمائهم للسلطة (مع محاولة إعادة انتاج تجربة الحزب الوطنب من جديد)، هذا الاحتكار يخلق حالة من الإقصاء لباقي الأحزاب ويُضعف العمل السياسي بشكل عام
فالعديد من الأحزاب المعارضة تُواجه قيودًا تمنعها من العمل بحرية، سواء كان ذلك من خلال التضييق على الفعاليات أو منعها من الوصول إلى وسائل الإعلام، أو إعطائها فرصا كاملة للتواصل مع الجماهير، ونتيجة ذلك، تُصبح الأحزاب مجرد أسماء على ورق دون أي تأثير فعلي في الشارع أو على أرض الواقع.
ومن حين إلى أخر يثار الحديث عن إنشاء حزب جديد تابع للسلطة بقيادة عدد من المقربين منها، ومن هنا بات السؤال الملح ” هل مصر بحاجة إلى أحزاب جديدة”؟!، والإجابة الواضحة هى أن مصر ليست بحاجة لاستحداث أحزاب جديدة، كما أنها ليست بحاجة إلى إلغاء الأحزاب، بقدر حاجتها إلى تفعيل تلك الأحزاب لينعكس أثرها على المجتمع بكل فئاته، حيث يجب أن تتاح للأحزاب جملة من الخصائص التي تؤهلها للعمل والانتاج ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- حرية الحركة والعمل: يجب أن تُتاح لجميع الأحزاب فرصة العمل بحرية دون قيود أو تضييقات.
2- التواصل مع الجماهير: السماح للأحزاب بتنظيم فعاليات ميدانية، وعقد لقاءات جماهيرية، والتواصل مع وسائل الإعلام بشكل متكافىء.
3- حياد الدولة: يجب أن تظل مؤسسات الدولة على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وألا تُستخدم إمكانياتها لدعم حزب بعينه على حساب الآخرين.
4- إصلاح قوانين الأحزاب: مراجعة التشريعات التي تُقيد تأسيس الأحزاب أو تُضعف قدرتها على المشاركة السياسية
فالتعددية الحزبية الحقيقية لا تُضعف الدولة بل تقويها، لأنها تضمن تمثيل كل الأصوات وتمنع احتكار السلطة. التجارب الدولية تؤكد أن الدول التي تسمح بحرية الأحزاب وتُشجع على التنافسية السياسية هي الدول التي تنجح في بناء نظام سياسي قوي ومستدام
إن “الانهيار الحزبي” الذي تُعاني منها مصر اليوم ليس قدرًا محتومًا، بل أزمة يمكن حلها إذا توفرت الإرادة السياسية لإعادة بناء الحياة الحزبية على أسس عادلة ومتساوية، لأن مصر بحاجة إلى إعطاء الفرصة للأحزاب لتعمل، لتتحرك، ولتلتقي بالجماهير. فالعمل السياسي لا يمكن أن يكون حكرًا على جهة واحدة، بل هو مسؤولية مشتركة تُشارك فيها كافة الأطياف السياسية لتحقيق مصلحة الوطن