فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة ونهب المال العام على مرأى ومسمع من الجميع
في واقعة جديدة تكشف عن حجم الفساد المستشري في الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت إشراف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، فقد كشفت أخبار الغد عن عمليات إهدار صارخ للمال العام، في قضية تكشف عن تعاطي المسؤولين مع المال العام وكأنّه ملكية خاصة يمكن التصرّف فيها كما يشاءون، دون أي ضوابط أو رقابة حقيقية.
حيث كشف موقع “أخبار الغد” عن حالة فساد كبيرة تتعلق بـ عماد فتحي مدبولي الذي يستغل منصبه في الهيئة للحصول على مزايا مالية غير مشروعة تتجاوز حدود القانون، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للكشف عن تواطؤ واضح من قِبل عدد من المسؤولين، وعلى رأسهم محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذي أظهرت الوثائق أنه قد قام بالتوقيع على مستندات صرف غير قانونية تساهم في نهب المال العام.
فبحسب المستندات التي تمكنت أخبار الغد من الاطلاع عليها، تبين أن عماد فتحي مدبولي الذي يعمل رئبساً لإقليم جنوب الصعيد الثقافي كان يتقاضى بدل انتقالات غير قانوني بقيمة 1400 جنيه عن كل رحلة سفر من القاهرة إلى الأقصر، وذلك مقابل كبينة نوم كاملة، وهو ما يعد صرفًا غير مبرر و غير قانوني..
والأمر الأكثر إثارة للدهشة أنه كان يكرر هذه الرحلات بشكل منتظم، بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات شهريًا، ما يعني أن تكلفة الرحلة الواحدة كانت تصل إلى 3000 جنيه مصري على أقل تقدير
ومن اللافت للنظر أن هذه الأموال التي كان يتم صرفها لم تكن فقط ناتجة عن رحلات السفر، بل كانت تشمل أيضاً تكاليف إضافية مثل الانتقالات الداخلية، مما يثبت أن حجم الصرف كان يتجاوز الحد المعقول.
هذا المبلغ الضخم يفضح حجم الفساد المستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة ويعكس حالة من الإهدار الممنهج للمال العام تحت أعين المسؤولين، الذين يسهلون مثل هذه العمليات غير القانونية بكل استهتار.
فكيف يمكن لموظف أن يحصل على هذا المبلغ الضخم بينما هو لا يتواجد في مهمة رسمية تتطلب منه هذا التصرّف؟ الأمر الذي يوضح أن عماد فتحي مدبولي كان يستفيد من هذه الأموال بشكل غير مشروع، بدعم وتسهيل من نائب رئيس الهيئة محمد ناصف.
الغريب في الأمر أن هذه المستندات ممهورة بتوقيع محمد ناصف نفسه، الذي يفترض أن يكون حامي المال العام والمراقب لعملية الصرف، لكننا نجد في الواقع أنه كان يُسهم بشكل واضح في تسهيل استيلاء مدبولي على المال العام دون أدنى اكتراث بالقوانين أو اللوائح المعمول بها.
هذا التصرف يعكس حالة من الفوضى الإدارية التي تتفشى في الهيئة، في ظل غياب الرقابة الفعالة، كما أن هذا الفساد يمثل خرقاً واضحاً لتوجيهات رئيس الوزراء التي تدعو إلى ترشيد الإنفاق العام، وهو ما يترجم أيضاً إلى مخالفة واضحة لسياسات الدولة التي تهدف إلى تحقيق العدالة المالية وضمان الشفافية.
وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، نجد أن الأموال التي تم صرفها لم تكن فقط في صورة تعويضات سفر أو بدل انتقالات، بل كانت بمثابة عملية نهب للمال العام تحت غطاء المستندات المزورة، وهي صورة حية للفساد الذي تتفشى جذوره في الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذي لا يبدو أن له حلاً في الأفق.
وعليه، فإن القضية لا تقتصر على الفساد الفردي، بل هي قضية فساد مؤسسي يمتد إلى أعلى مستويات الهيئة، بدءًا من نائب الرئيس محمد ناصف وصولاً إلى جميع الأطراف التي تساهم في تسهيل مثل هذه العمليات.
من الواضح أن هناك تقاعساً كبيراً من وزارة الثقافة في متابعة هذه القضايا ومعالجة هذه التجاوزات، بل وبدلاً من أن تكون هي الرقيب على هذه الممارسات، أصبحت هي المتواطئ الأول في عمليات الفساد المستشري.
ففي الوقت الذي تتحمل فيه وزارة الثقافة مسؤولية تصحيح هذه الأوضاع، نجد أن الوزارة تغض الطرف عن هذه الانتهاكات، وهو ما يعكس فشلها الذريع في القيام بدورها الرقابي في هذا المجال.
إن ما حدث يعكس مدى التراخي واللامبالاة في التعامل مع أموال الدولة، وهو أمر يساهم في نشر ثقافة الفساد ويشجع على استمراره.
فوجود شخص مثل محمد ناصف في منصبه، الذي يسهل عمليات الصرف غير القانونية، يساهم بشكل كبير في تشجيع الأشخاص الآخرين على ارتكاب نفس التجاوزات دون أي خوف من المساءلة أو العقاب.
نحن أمام قضية فساد مؤسسي خطير ينبغي أن يُحاسب كل من ساهم في هذه الجريمة التي تهدر المال العام وتؤدي إلى تراجع كبير في مستوى الأداء الإداري في الهيئة.
فمن المؤكد أن هذا الفساد ليس حادثة عابرة، بل هو جزء من مشكلة أعمق تعاني منها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي بحاجة إلى إصلاح جذري يبدأ من أعلى مستوياتها حتى أدناها، من أجل وقف هذا النزيف المالي الذي لا ينتهي.
ويجب أن تكون هناك مساءلة حقيقية لكل من تورط في هذا الفساد، بدءاً من عماد فتحي مدبولي، الذي حصل على أموال لا حق له فيها، وصولاً إلى محمد ناصف، الذي قدّم تسهيلات لا مبرر لها لصرف أموال العامة.
فإن غياب المساءلة يعني استمرار الفساد، واستمرار الفساد يعني هدر المزيد من أموال الدولة، وفي النهاية يدفع المواطن الفقير الثمن.