فضيحة تسعير اللوحات الفنية والخزف في الهيئة العامة لقصور الثقافة فساد لا ينتهي
في تطور مثير للقلق يضاف إلى سلسلة من الفضائح المتتالية التي تلاحق الهيئة العامة لقصور الثقافة يبرز تشكيل لجنة تسعير منتجات الهيئة الفنية من اللوحات والخزف في مشهد يثير تساؤلات مشروعة حول إدارة هذه الهيئة.
حيث تم تشكيل هذه اللجنة التي تعكف على تسعير هذه المنتجات الفنية في كافة محافظات الجمهورية برئاسة حسان حسن مدير عام القضايا بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو الشخص الذي لا يملك أي مؤهلات أو خبرة فنية تتيح له تولي هذا الدور.
فما علاقة مدير عام القضايا بتسعير اللوحات الفنية والخزف؟ وهل من المعقول أن يتم إسناد هذا الدور لشخص بعيد تماماً عن المجال الفني؟
علاوة على ذلك تم إضافة مصطفى قناوى، مدير إدارة العقود بالهيئة العامة لقصور الثقافة، إلى عضوية هذه اللجنة. وهو الآخر لا يمتلك أي خلفية فنية تبرر وجوده في هذه المهمة.
فما هي العلاقة بين إدارة العقود وتسعير المنتجات الفنية؟ وهل هذا الاختيار يتماشى مع متطلبات عملية التسعير الفنية التي تحتاج إلى لجنة متخصصة تتكون من خبراء في هذا المجال؟ هناك العديد من الأسئلة التي تدور حول هذه الاختيارات التي لا تمت إلى التخصص الفني بصلة.
وعلى الرغم من أن هذه اللجنة التي يتم تشكيلها بشكل مستمر تقف على رأسها شخصيات بعيدة تماماً عن المجال الفني إلا أن القرار الأخير الذي اتخذته الهيئة في تشكيل اللجنة كان أكثر غرابة.
حيث تضم اللجنة عضوًا واحدًا فقط ذو خلفية فنية، وهو الأمر الذي يثير الاستفهام حول الهدف الحقيقي من هذه اللجنة. فهل هناك إصرار على استبعاد الخبراء الفنيين من هذا التقييم أم أن هناك نية مبيتة لتمرير صفقات مشبوهة يتم تسويقها على أنها منتجات فنية؟
إذا كان الهدف من تشكيل اللجنة هو تحقيق العدالة في تسعير اللوحات الفنية والخزف فإن الأوضاع الحالية تشير إلى أن هناك استهانة كاملة بالمعايير الفنية التي يجب أن تحكم هذا المجال.
لا يمكن أن يعتقد أحد أن لجنة من هذا النوع قادرة على التقييم الفني الصحيح للمنتجات المعروضة. الأوضاع التي تمر بها الهيئة تؤكد أن الفساد داخل هذه المؤسسة قد أصبح ظاهرة تتغلغل في كافة جوانب العمل، بدءًا من تسعير الأعمال الفنية وصولاً إلى طريقة التعامل مع الأموال العامة.
ولعلّ أكثر ما يثير الجدل هو أن هذه اللجنة لم تقتصر فقط على هذه المهام، بل امتد دورها إلى مختلف اللجان الأخرى التي كان ينبغي أن تضم خبراء مختصين.
فحسان حسن ومصطفى قناوى يعيدان التدوير في كل اللجان الأخرى التي تحتاج إلى عضو قانوني واحد فقط، ويشتركان فيها كقانونيين، في مشهد يعكس إهداراً للمال العام وتجاهلاً تاماً للمعايير المهنية.
وتشير الأرقام إلى أن هذه اللجنة التي تدير هذه المأموريات الأسبوعية لتسعير اللوحات الفنية ومنتجات الهيئة لا تؤدي فقط إلى تدهور قيمتها الحقيقية بل تتسبب في هدر مالي غير مبرر.
حيث تتكبد الهيئة العامة لقصور الثقافة مصاريف انتقالات، إقامة في فنادق، إعاشة ومكافآت لأعضاء اللجنة تتجاوز العشر أضعاف ما يتم تسعيره من منتجات فنية.
في الوقت الذي يتردد فيه الحديث عن توجيهات حكومية بترشيد الإنفاق الحكومي، نجد أن اللجنة التي شكلها محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، تواصل تكبد الهيئة نفقات غير مبررة. ما يزيد الطين بلة هو استهزاء الهيئة بتوجيهات الحكومة التي تسعى إلى ترشيد النفقات، بينما تتصرف الهيئة وكأنها ليست ملزمة باتباع هذه التوجيهات.
في هذا الصدد، يشير العديد من العاملين بالهيئة والمراقبين للشأن الثقافي إلى أنه ربما يكون من الأفضل لـ محمد ناصف العودة إلى وظيفته الأصلية كمدرس لقواعد اللغة الإنجليزية لطلاب الصف الأول الإعدادي، بدلاً من الاستمرار في تصدر المناصب القيادية داخل الهيئة التي يبدو أنها تفتقر إلى أي رؤية حقيقية للنهوض بالثقافة والفن.
إن تكرار مشاهد الفشل والفساد داخل الهيئة لم يعد يحتمل السكوت عليه، فقد بات واضحاً أن هناك من يعبث بالمال العام دون أدنى مراعاة للمسؤولية التي يفرضها المنصب.
وبذلك يمكن القول إن الهيئة العامة لقصور الثقافة لا تعاني فقط من فساد إداري ومالي مستمر، بل أيضًا من غياب الكفاءة الفنية والإدارية التي يمكن أن تساهم في إنقاذها من هذا المستنقع الذي غرقت فيه منذ فترة طويلة.
ويبدو أن القيادات الحالية تفتقر إلى أبسط مقومات النجاح، وأنها تسير في طريق مظلم لن تنقذه إلا عملية إصلاح حقيقية قد تكون بعيدة المنال في ظل الوضع الراهن.