في مشهد يعكس التراجع الصادم لحرية التعبير والتضامن الإنساني في مصر، تعرضت الجامعات المصرية لانتقادات لاذعة بسبب منعها الصارخ لأي مظاهر تضامنية مع الشعب الفلسطيني،
حيث قامت السلطات المصرية بتكميم أفواه الطلاب ومنعهم من التعبير عن رفضهم للجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
تعالت أصوات حركات المقاطعة الدولية منددة بهذه السياسات القمعية، التي تمثل خيانة صارخة لتاريخ مصر في دعم القضية الفلسطينية، وتحمل إدانة قوية لسلوك السلطات المصرية الحالي تجاه حقوق الطلاب.
الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) وحركة مقاطعة إسرائيل (BDS) أصدرتا بياناً مشتركاً تعبر فيه عن غضبهما واستنكارهما الشديد إزاء قمع السلطات المصرية للطلاب في الجامعات.
الحملة وصفت ما يجري بأنه سياسة ممنهجة للقمع والترهيب والاعتقال التعسفي، مؤكدة أن هذه السياسة لن تنجح في إسكات أصوات الشعب المصري، الذي يعبر بأغلبيته الساحقة عن رفضه للإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ويدافع عن الحق الفلسطيني بلا تردد.
السلطات المصرية تمضي في طريق مظلم من القمع والتكميم، حيث لم تكتفِ بمنع التظاهرات، بل تعدت ذلك إلى منع الطلاب من ارتداء الكوفية الفلسطينية، الرمز الواضح للتضامن مع فلسطين، وهذا المنع يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وحرية التعبير.
الحملة اتهمت السلطات المصرية بالتماهي مع أكثر الأنظمة الاستبدادية والعنصرية في العالم الغربي الاستعماري، قائلة إن هذا الهبوط لمستوى غير مسبوق من القمع يضع مصر في موقع حرج أمام المجتمع الدولي.
وفي خطوة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول نوايا السلطات المصرية، لم تتوقف الأمور عند حدود قمع الأصوات الطلابية بل ترافقت مع إجراءات خطيرة تتعلق بالتعاون غير المباشر مع إسرائيل.
في ظل هذه السياسة القمعية، تستمر الحكومة المصرية بالسماح للسفن الإسرائيلية باستخدام الموانئ المصرية لنقل العتاد العسكري وغيره، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي والتزامات مصر بموجب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية.
هذه السياسة تأتي في وقت ما زال معبر رفح، الشريان الحيوي لقطاع غزة، مغلقاً أمام الفلسطينيين منذ أشهر، مما يزيد من معاناة سكان القطاع المحاصر.
بيان الحملة الفلسطينية تساءل بمرارة: “ألا يكفي كل هذا التواطؤ ليضيف عليه النظام المصري منع الكوفية الفلسطينية؟”. تساؤل يوجه الأنظار نحو حادثة مروعة حين مُنع الصحافي والباحث إسماعيل الإسكندراني، وهو طالب دراسات عليا في جامعة القاهرة، من دخول الحرم الجامعي بسبب ارتدائه الكوفية الفلسطينية.
موقف آخر يؤكد اتساع رقعة القمع على كل ما يتعلق بفلسطين، حيث أفادت شهادات متتالية من طلاب في مختلف الجامعات المصرية عن مواقف مشابهة تعرضوا لها بسبب ارتداء الكوفية الفلسطينية أو حمل أي رموز أو رسومات تعبر عن التضامن مع القضية الفلسطينية.
ولعل ما يزيد من حجم الكارثة أن هذا القمع المنهجي لا يقتصر على الجامعات فقط، بل هو جزء من سياسة شاملة تستهدف تكميم الأفواه في جميع مستويات المجتمع المصري.
منع الاحتجاجات والتظاهرات ليس بجديد في مصر، ولكن ما يحدث اليوم يمثل استهدافاً متعمداً لحركات التضامن مع فلسطين، وهو أمر خطير يعكس انحرافاً واضحاً في سياسات الدولة التي كانت يوماً من أكبر داعمي القضية الفلسطينية.
أحد الأسئلة الحارقة التي يطرحها الوضع الراهن هو: إلى متى ستستمر السلطات المصرية في هذا المسار المدمر الذي يخالف إرادة شعبها ويخدم أجندات لا تعبر عن مصالحها الوطنية؟
وهل باتت الحكومة المصرية تفضل الانخراط في سياسات قمعية تخدم الاحتلال الإسرائيلي على حساب حريات مواطنيها؟ هذا الواقع المؤلم يستدعي رداً قوياً من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لوقف هذا التدهور في حقوق الإنسان بمصر.
الطلاب المصريون الذين كانوا في طليعة الانتفاضات الشعبية دفاعاً عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، باتوا اليوم ضحايا لنظام قمعي يضيق الخناق عليهم كلما حاولوا التعبير عن تضامنهم مع أشقائهم الفلسطينيين. ورغم كل هذا القمع، تظل إرادة الشعب المصري حية وقوية، فقد أثبت عبر التاريخ أنه لا يمكن كبح صوت الحق مهما اشتد القمع.