تواصل الحكومة المصرية في مسلسل بيع شركاتها الرابحة لمستثمرين أجانب ومحليين رغم الأرباح الكبيرة التي تحققها تلك الشركات في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد والتي من المفترض أن تدفع الحكومة لتعزيز أصولها بدلاً من التفريط فيها وزيادة حجم العجز في الميزانية.
هذه السياسات التي تنتهجها الحكومة تعد بمثابة إهدار للثروات الاقتصادية وتهديد للاقتصاد الوطني على المدى الطويل، حيث تُسلم القطاعات الاستراتيجية في يد قوى غير وطنية هدفها الأساسي ليس إلا تحقيق مصالحها على حساب مصلحة البلاد والشعب المصري.
في خطوة تعكس قمة الفشل الإداري والفساد الذي يضرب مفاصل الدولة، الحكومة تواصل بيع شركاتها الربحية التي تحقق إيرادات ضخمة في كل عام، متجاهلة بذلك تأثير هذا البيع على الاقتصاد المصري وأثره على المواطنين الذين يعانون في الأساس من تبعات السياسات الحكومية الفاشلة.
وهذه الشركات التي يزعم البعض أن بيعها يمثل طوق نجاة للاقتصاد، هي في حقيقة الأمر شريان حيوي يعكس قدرة مصر على الصمود في مواجهة التحديات الاقتصادية.
على سبيل المثال، في عام 2023 حقق بنك القاهرة أرباحًا بلغت 6.7 مليار جنيه، بزيادة كبيرة تُقدر بحوالي 112.6% مقارنة بالعام 2022، وهو رقم كبير يعكس الأداء المتميز لهذا البنك الذي يتم بيعه للمستثمرين.
وفي الوقت ذاته، حقق بنك الإسكندرية في نفس العام أرباحًا قدرت بحوالي 5 مليار جنيه، بزيادة تقدر بنحو 75.4% مقارنة بالعام الماضي، مما يؤكد على نجاح البنوك المملوكة للدولة في تحقيق عوائد مالية ضخمة تساهم في دعم الاقتصاد المصري، ومع ذلك فإن الحكومة لا تأبه لهذه المكاسب وتصر على بيعها.
لا تقتصر الأمور على البنوك فقط، بل تشمل أيضًا العديد من الشركات الكبرى في مجالات أخرى، مثل شركة الأمل الشريف للبلاستيك، التي حققت أرباحًا تقدر بحوالي 700 مليون جنيه في عام 2022، وهي قيمة ضخمة تشير إلى نجاح الشركة وقدرتها على تحقيق أرباح هائلة في السوق المحلي والدولي، ورغم هذه المكاسب، يتم بيعها، مما يعكس سياسة حكومية قائمة على التفريط في الأصول الوطنية في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية.
وفي مجال الصناعات الطبية، نجد أن شركة مصر للمستحضرات الطبية حققت أرباحًا تقدر بحوالي 57.4 مليون جنيه في 2022-2023، وعلى الرغم من أهمية هذه الصناعة في توفير احتياجات السوق المحلي من الأدوية والمستلزمات الطبية، فإن الحكومة تواصل بيع شركاتها التي تلعب دورًا محوريًا في دعم الصحة العامة، مما يساهم في زيادة ضعف القطاع الصحي في البلاد.
أما شركة سيد للصناعات الكيميائية، التي حققت أرباحًا تقدر بحوالي 24.7 مليون جنيه في 2022-2023، فهي الأخرى أصبحت هدفًا للحكومة لتفريط فيها رغم نجاحاتها الربحية المستمرة على مدار السنوات.
هذه الشركات تعتبر من الركائز الأساسية التي يجب أن تظل تحت سيطرة الحكومة المصرية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد.
هذه السياسات الحكومية لا تمثل فقط إهدارًا للأصول، بل تؤكد على وجود حالة من التقاعس الفاضح في إدارة الموارد الوطنية، فضلًا عن الفساد المستشري الذي يساهم في تحويل الثروات المصرية إلى جيوب قوى خارجية تسعى فقط للربح على حساب الشعب المصري. الحكومة التي يفترض بها أن تكون حامية للمصالح الوطنية لا تزال تسير في طريق بيع الأصول دون النظر إلى العواقب الاقتصادية والاجتماعية التي قد تترتب على هذه القرارات، كما أنها تواصل رفع أسعار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والوقود، في الوقت الذي تفرط فيه في أصول الدولة.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذه الخطوات تعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الاقتصاد الوطني، ولا يمكن لأي شخص أن يصدق أن بيع شركات رابحة وتفريط الحكومة في أصول استراتيجية يعد خطوة نحو الإصلاح الاقتصادي. بل إن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا، حيث إن هذه السياسات تؤدي إلى زيادة الاستدانة وارتفاع معدلات التضخم، مما يزيد من معاناة المواطنين العاديين الذين يتحملون تبعات هذه القرارات المتسرعة وغير المدروسة.
إن استمرار الحكومة في هذه السياسات لا يعدو أن يكون دليلًا على مدى الفساد الذي يغرق فيه المسؤولون في الدولة، حيث لا يوجد أي دافع حقيقي وراء هذه القرارات سوى تلبية مصالح فئات معينة، سواء كانت محلية أو أجنبية، دون النظر إلى مصلحة المواطن المصري. في الوقت الذي كان من المفترض أن تبني الحكومة على هذه الشركات الناجحة لتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، نجدها تبيع تلك الشركات لتكون في أيدي قوى خارجية أو فئات محلية تبحث عن الربح السريع على حساب الشعب.
من المؤكد أن هذه السياسات ستؤدي إلى تدمير البنية الاقتصادية للبلاد على المدى البعيد، لأن التفريط في هذه الشركات لن يعوضه استثمار خارجي مهما كانت حجم الاستثمارات. الحكومة لا تقوم فقط بإفقار الشعب، بل تساهم في تهديد مستقبل الأجيال القادمة.