لا يزال المواطن المصري يعاني من أزمات متعددة تطال جميع جوانب حياته اليومية بسبب الفشل الحكومي المتواصل في إدارة أبسط القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن له حياة كريمة، وتستمر الحكومة في تبني سياسات خاطئة تدفع المواطن وحده ثمن فشلها.
ولا أدل على ذلك من ملف الخبز المدعم، الذي يمثل أحد أكثر القضايا حساسية بالنسبة للمواطنين، حيث يعتبر الخبز جزءاً أساسياً من غذاء الشعب المصري، وبقاءه مدعماً كان يشكل أملًا لكثير من الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تعتمد عليه كعنصر رئيسي في سلة غذائها اليومية.
ورغم التصريحات المتناقضة التي تطلقها الحكومة بين الحين والآخر، فإن الواقع على الأرض يكشف عن سياسة حكومية مستمرة في تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، وهو ما يعكس تحولاً خطيرًا في سياسة الدولة تجاه أكثر شرائح المجتمع هشاشة.
الحكومة المصرية قد اتخذت قرارًا متناقضًا في هذا الشأن حيث أعلنت أن تحويل الخبز المدعم من الدعم العيني إلى النقدي سيكون آخر خطوة في سلسلة من التحولات المزعومة، ولكن يبدو أن هذه التصريحات ما هي إلا محاولة لتضليل الرأي العام، إذ أن الحكومة غير جادة في تحقيق أي تقدم في هذا الملف، بل هي تواصل تقاعسها وتجاهل المعاناة الحقيقية للمواطن.
التصريحات الحكومية حول مسألة الدعم التمويني كانت مفعمة بالوعود الزائفة، حيث وعدت الحكومة بأنها ستبقي على دعم الخبز خلال العامين القادمين دون زيادة في الأسعار، وهو ما يعتبر من أبسط الحقوق التي يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها، ولكن مع مرور الوقت، ومع تأكيد الحكومة على أن الخبز المدعم سيكون آخر سلعة يتم تحويلها إلى الدعم النقدي، فإن هذا الموقف يعكس استمرار نهج الحكومة في تجاهل الفئات الأكثر احتياجاً وتفريطها في مسؤولياتها تجاه الشعب.
إن الوضع الحالي يكشف عن حالة من الفساد المستشري في أروقة الحكومة، حيث تعمل على تقليل الدعم تدريجيًا بما ينعكس سلبًا على قدرة المواطن في الحصول على احتياجاته الأساسية. كما أن النظام يتبنى سياسة استدانة مفرطة تزيد من العبء على المواطن دون أن تكون هناك سياسات واضحة لحل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد. ولا شك أن الحكومة قد اختارت سبيل الفشل المستمر من خلال إجراءات اقتصادية غير مدروسة، بدلاً من أن تتخذ خطوات فعلية تضمن للمواطنين حياة كريمة بعيدًا عن وعود كاذبة.
على الرغم من تعهد الحكومة بأن أسعار الخبز المدعم لن تشهد أي تحريك خلال العامين المقبلين، فإن الواقع يشير إلى أن هناك احتمالية كبيرة لزيادة الأسعار في المستقبل القريب، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على الفئات الضعيفة التي تعتمد على هذا الدعم كجزء أساسي من دخلها اليومي. فإذا كانت الحكومة تتحدث عن عدم المساس بالأسعار في المستقبل، فإن المواطنين لا يثقون بتلك الوعود التي أصبح من الواضح أنها تفتقد إلى المصداقية بعد أن تم تجربتها مرارًا دون جدوى.
الاستمرار في سياسة الدعم النقدي على حساب الدعم العيني يعني أن المواطنين سيتحملون أعباء إضافية دون أن يكون هناك تحسن حقيقي في مستوى حياتهم. الحكومة بدلاً من أن تقدم حلولًا جذرية لهذه الأزمة، تركز على تحصيل الأموال من جيوب المواطنين في ظل زيادة غير مسبوقة في الأسعار التي تصاعدت بشكل ملفت. والنتيجة هي أن المواطنين باتوا يعيشون في حالة من الضغط الشديد، حيث أصبحت كل يوم يمر يشهد معاناة جديدة في الحصول على أبسط احتياجاتهم من غذاء.
ما يحدث الآن يشير بوضوح إلى أن الحكومة غير مهتمة بمصالح المواطنين بقدر اهتمامها بتوجيه الأموال نحو مشاريع لا تفيد غالبية الشعب، بينما تتجاهل حاجات المواطنين الحقيقية التي أصبحت تتفاقم يوماً بعد يوم. وبدلاً من توفير حلول سريعة وفعالة، تفضل الحكومة اتخاذ قرارات غير مدروسة تؤدي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يزيد من نسبة الفقر في البلاد.
إن قرار تحويل الدعم من العيني إلى النقدي يحمل في طياته الكثير من التساؤلات حول نوايا الحكومة الحقيقية في إدارة هذا الملف. هل تعتقد الحكومة أن تحويل الدعم إلى نقدي سيحل أزمة المواطنين؟ أم أنها تسعى إلى التخلص من عبء الدعم بشكل تدريجي مع الحفاظ على صورة الدولة الداعمة للفئات الضعيفة؟ إن المتابع لمجريات الأمور يدرك تمامًا أن هناك خللاً في المنظومة الاقتصادية التي تديرها الحكومة والتي لم تخرج أي منها بحلول فاعلة لهذه الأزمة.
وفي الوقت الذي لا تجد فيه الحكومة حلولًا ناجعة للحد من معاناة الشعب، تتزايد الانتقادات للحكومة التي لم تتمكن حتى من إدارة ملف الخبز المدعم على النحو الذي يضمن توفيره بشكل دائم وبأسعار معقولة.
كما أن الفشل في تنفيذ هذا الملف يعكس بصورة جلية التراخي الحكومي في إدارة باقي الملفات الاقتصادية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
إن تقاعس الحكومة في توفير الخبز المدعم ورفع أسعار السلع الأساسية لا يعدو كونه استمراراً لسياسة إفقار الشعب المصري وإفقاده ثقته في النظام القائم.