ما يزال الغموض يسيطر على قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي استدعى الممثلين القانونيين لقناة النهار الفضائية، وموقعي الشروق والقاهرة 24، لجلسة استماع منتظرة بعد غد الأربعاء.
في خطوة مفاجئة تثير التساؤلات حول ما يجري خلف الكواليس في منظومة الإعلام المصري، حيث يعتبر المجلس أن هذه الاستدعاءات تأتي في إطار “ضبط المشهد الإعلامي وضمان التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بالضوابط والمعايير المهنية”.
تلك الصيغة الباهتة التي يرددها المجلس في تبريراته، تفتح الباب أمام المزيد من الجدل، وسط شكاوى متزايدة من المؤسسات المستهدفة بأنهم لا يملكون أي فكرة عن طبيعة المخالفات المنسوبة إليهم.
هذه الحملة ليست الأولى من نوعها، لكنها تبدو وكأنها خطوة أخرى نحو فرض رقابة صارمة على الإعلام، في وقت يحتاج فيه الشارع إلى صوت إعلامي حر يستطيع كشف الحقائق دون خوف من الترهيب.
التعتيم والإقصاء: خطوات نحو تكميم الأفواه
من الواضح أن استدعاء قناة النهار والشروق والقاهرة 24 لم يكن متوقعًا، فحتى المتحدثين باسم هذه المؤسسات بدا عليهم الارتباك التام عندما تم إعلامهم بالقرار.
رئيس تحرير جريدة وموقع الشروق، عماد الدين حسين، أعرب عن دهشته في تصريحاته لموقع المنصة، حيث قال بصراحة إنه لا يعلم أي تفاصيل عن هذا الأمر، مما يجعله يتساءل: “ما الذي يجري؟ ولماذا يتم استدعاؤنا بدون أي معلومات واضحة؟”.
هذا التعتيم الذي يمارسه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على تفاصيل القضية لا يعكس سوى رغبة واضحة في إقصاء وسائل الإعلام من المشاركة في صناعة الوعي الشعبي.
إذا كان الهدف هو تصحيح المسار الإعلامي كما يدعي المجلس، فلماذا لا يتم التعامل بشفافية؟ لماذا تُترك المؤسسات الإعلامية المعنية في حالة من الجهل والريبة حيال طبيعة المخالفات المزعومة؟.
عادل حمودة: دهشة وسؤال بلا إجابة
من جانبه، لم يكن عضو المجلس ورئيس تحرير جريدة الفجر، عادل حمودة، على علم مسبق بهذا القرار المفاجئ، مما أثار دهشته، حيث أكد أنه لم يسمع عن أي نقاش أو حديث حول تلك المؤسسات تحديدًا. وهذا يزيد من حدة الشكوك حول ماهية هذا الاستدعاء.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو تلك الجملة التي صدرت عنه: “مكنش فيه كلام خاص بدول”، وهو ما يوحي بأن المجلس لم يكن يعتزم في الأصل استهداف هذه الجهات بشكل مباشر.
هذه التصريحات تشير إلى أن هناك حالة من التخبط الداخلي حتى بين أعضاء المجلس نفسه، مما يفتح المجال أمام تفسيرات عدة، أبرزها أن القرار جاء بشكل مفاجئ حتى لمن هم داخل أروقة صنع القرار، فهل نحن أمام سيناريو لترهيب المؤسسات الإعلامية الكبرى؟ أم أن المجلس يواجه ضغوطًا من أطراف خارجية ترغب في تقييد بعض الجهات الإعلامية دون غيرها؟.
وراء الكواليس: لعبة سياسية أم فرض سيطرة؟
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من هذه الحملة؟ هل الهدف فعلاً هو “ضبط المشهد الإعلامي” كما يزعم المجلس، أم أن هناك أهدافًا أخرى أكثر تعقيدًا تتعلق بالسيطرة على ما تبقى من مساحات حرية في المشهد الإعلامي المصري؟.
من المعروف أن هذه المؤسسات الثلاث تتمتع بمتابعة كبيرة وجماهيرية واسعة، مما يجعل استهدافها خطوة مثيرة للشبهات.
هل نحن أمام محاولة جديدة للسيطرة على المحتوى الإعلامي وضمان عدم تجاوز بعض الخطوط الحمراء التي لا يرغب النظام في مناقشتها أو حتى التلميح إليها؟.
المشهد الإعلامي في مصر يعاني بالفعل من قيود متعددة، سواء كانت مباشرة عبر القوانين والقرارات الرسمية، أو غير مباشرة من خلال الضغوط الاقتصادية والسياسية.
لذلك، فإن أي محاولة لإسكات أصوات جديدة ستساهم في تفاقم حالة الاحتقان وتزيد من حدة الاستياء الشعبي، الذي يبحث عن معلومات دقيقة وشفافة في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها البلاد.
خفايا القرار: من يقف وراءه وما الهدف؟
لا يمكن النظر إلى قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمعزل عن السياق السياسي الأوسع. ففي الوقت الذي تمر فيه مصر بتحولات سياسية واقتصادية هامة، يبدو أن هناك رغبة ملحة لدى بعض الأطراف في الحد من تأثير الإعلام الحر والمستقل.
تلك الجهات التي تسعى إلى فرض سيطرة كاملة على المعلومة لا تريد سوى أصوات متوافقة مع الرؤية الرسمية، أما المؤسسات التي تحاول تقديم وجهات نظر مغايرة أو انتقاد بعض السياسات، فتبدو أنها ستواجه مصيرًا مشتركًا.
قرار استدعاء النهار والشروق والقاهرة 24 يعكس حقيقة واحدة وهي أن المشهد الإعلامي في مصر بات محاصراً. ومع هذا الحصار تزداد التحديات التي تواجه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في ظل بيئة تزداد صعوبة وتعقيدًا.
إذا كان هذا هو “ضبط المشهد الإعلامي”، فإن السؤال المطروح هنا: من الذي يضع هذه الضوابط؟ ومن يحدد المعايير التي يجب أن تتبع؟ وهل هناك مجال للنقد أو الاختلاف؟.
إلى أين يتجه الإعلام المصري؟
مع كل خطوة جديدة يتخذها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، يتساءل المتابعون: هل هذا هو الطريق الذي يجب أن يسير فيه الإعلام المصري؟ هل يمكن أن ينجح في تقديم رسالة حقيقية للمجتمع وهو محاصر بهذا الشكل؟ أم أننا أمام مرحلة جديدة من تكميم الأفواه وإقصاء الأصوات التي تسعى لتقديم الحقائق بموضوعية وشفافية؟.
المشهد الإعلامي بات في مفترق طرق خطير، فإما أن يتم التعامل بشفافية وإتاحة الفرصة للجميع للتعبير بحرية دون خوف من الاستدعاءات والمساءلات، وإما أن يستمر التوجه نحو قمع أي صوت مغاير.