عزل “يون سوك يول” تكشف عمق الانهيار السياسي في كوريا الجنوبية
في مشهد سياسي كارثي، صوّت البرلمان الكوري الجنوبي اليوم السبت لصالح عزل الرئيس “يون سوك يول”، ليشهد العالم على فضيحة غير مسبوقة تهز عرش السلطة في كوريا الجنوبية.
هذه الفضحية جاءت على خلفية محاولة الرئيس فرض الأحكام العرفية، وهي خطوة لم تدم أكثر من ساعات، لكنها فجرت أزمة دستورية تمثل ضربًا صارخًا لسلطة الدولة وقيم الديمقراطية في البلاد.
في الثالث من ديسمبر الماضي، أقدم “يون سوك يول” على خطوة غريبة وغير مسبوقة في تاريخ كوريا الجنوبية عندما حاول فرض الأحكام العرفية في خطوة استفزازية سابقة لآوانها، إلا أن المفاجأة كانت في فشل تلك المحاولة التي لم تعمر سوى ست ساعات فقط.
فبمجرد محاولته، خرج النواب عن صمتهم متحدين حواجز الجيش والشرطة، ليصوتوا ضد المرسوم الذي كان قد فجر جدلاً واسعًا. ما حدث كان بمثابة بداية لأزمة غير مسبوقة، حيث تصاعدت الدعوات العارمة لاستقالته من منصبه بتهمة انتهاك الدستور ومخالفة القانون بشكل فاضح.
ولكن المشهد لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كانت هنالك مناورات سياسية على مستوى عالٍ أدت إلى تعميق الأزمة، فحزب “سلطة الشعب” الذي ينتمي إليه “يون” قد قام بمقاطعة أول تصويت على مساءلته في الأسبوع الماضي، مما أدى إلى منع اكتمال النصاب القانوني.
هذا التحرك كان بمثابة محاولة لتحصين الرئيس من أي محاسبة، ولكن الحقيقة التي لم يستطع الحزب إخفاءها كانت أن “يون” فقد تمامًا مصداقيته السياسية، وتحول إلى عبء على حزبه قبل أن يكون على البلاد.
المشهد الآن أصبح أكثر تعقيدًا. فبعد أن كان الجميع يعتقد أن الرئيس قد أفلت من عواقب محاولته الفاشلة، جاء التصويت الأخير ليكشف عن تحول دراماتيكي في المواقف. “هان دونج هون” زعيم حزب “سلطة الشعب” كان قد دعا اليوم أعضاء حزبه إلى التصويت لصالح عزل الرئيس، مؤكداً أن عدداً كبيراً من النواب قد قرروا الوقوف ضد الرئيس في التصويت. هذا التحول، الذي يأتي وسط انقسام حاد داخل الحزب الحاكم، يدل على أن “يون” لم يعد يمتلك أية قدرة على التحكم بمفاصل السلطة.
البرلمان الكوري الجنوبي الذي يسيطر عليه الآن أحزاب المعارضة كان أمام خيار واحد، وهو التصويت لصالح عزل “يون”. فبفضل سيطرتهم على 192 من أصل 300 مقعد، كان الحزب المعارض بحاجة إلى ثمانية أصوات فقط من أعضاء حزب “سلطة الشعب” لضمان نصاب الثلثين. وهذا ما تحقق بالفعل، حيث صوت العديد من النواب الحاكمين لصالح المساءلة، ليجعلوا عزل “يون” أمرًا واقعًا.
ومع ذلك، فإن عزل “يون” لا يعني رحيله الفوري من منصبه، حيث سيظل الرئيس في مكانه حتى تصدر المحكمة الدستورية حكمها النهائي بشأن إقالته. في هذه الأثناء، سيشغل رئيس الوزراء “هان دوك سو” منصب الرئيس بالنيابة، وهو ما يعني بداية فترة ضبابية وغير مستقرة للسلطة في كوريا الجنوبية.
ما يحدث الآن في كوريا الجنوبية هو نتيجة منطقية لسياسات “يون” الطائشة وغير المدروسة التي أدت إلى تقويض الثقة في النظام السياسي وفي القيادة نفسها. من محاولة فرض الأحكام العرفية، إلى محاولة تأجيل الحساب السياسي، يظهر جليًا أن “يون” كان يسير في طريق مسدود. فالرئيس الذي كان في يوم من الأيام يعد بإصلاحات سياسية ونجاحات اقتصادية بات اليوم في صراع وجودي على رئاسة الجمهورية.
لقد تجلت الأزمة السياسية في أبعادها الأخطر عندما اتضح أن الرئيس لا يستطيع حكم البلاد بدون تفويض شعبي حقيقي أو دعم سياسي من حزبه. أصبحت رئاسته اليوم في حالة انهيار تدريجي، وبات الشعب الكوري الجنوبي يشهد مرحلة جديدة من الصراع السياسي المظلم الذي قد يستمر لأشهر، إن لم يكن لسنوات.