د. أيمن نور يكتب : حزب العرجاني وحزب الوعي
برؤية ليبرالية مجرّدة، أجد نفسي، وبكل يقين، لست ضد تشكيل أي حزب سياسي جديد، حتى لو كان هذا الحزب يضم أشخاصًا أختلف مع مواقفهم، أو حساباتهم، أو مرجعياتهم، أو حتى تاريخهم الشخصي أو السياسي أو المهني.
فالاختيار سيبقى دومًا حقًا أصيلًا مكفولًا للشعب وحده، فهو الذي يقبل بمن يقبل، ويرفض من يرفض، عبر صناديق الانتخابات الحرة. تلك الصناديق التي تُجرى في ظل قواعد ديمقراطية حقيقية وشفافة، تكفل للأحزاب السياسية التساوي في الحقوق والواجبات، وتضمن لها فرصًا متكافئة في حق الوجود، وحرية العمل، والمنافسة، بعيدًا عن هيمنة السلطة أو تضييقها على أحد.
وإذا توفرت هذه البيئة الديمقراطية السليمة، فإن أي حزب سياسي جديد سيكون إضافة مطلوبة للمشهد السياسي المصري، الذي بات في حاجة ماسة لدماء وجهود جديدة تعيد إحياء الحياة السياسية وتفتح آفاقًا أوسع للمشاركة الشعبية.
من هنا، أرحب بقيام حزب الوعي الذي انبثق عن كتلة الحوار بقيادة العزيز الدكتور باسل عادل، ونائبه الأول العزيز المهندس حسام علي. كلاهما من رموز المدرسة الليبرالية المصرية، ولهما إسهامات مشهودة قبل وبعد ثورة يناير في تأسيس حزب الغد ثم حزب غد الثورة الليبرالي المصري.
ومن هنا أيضًا، لا أجد غضاضة في الترحيب بقيام حزب جديد يُقال إنه يضم شخصيات مثل إبراهيم العرجاني، و علي عبد العال، و ضياء رشوان، و مصطفى بكري، و هشام لطيف مصطفى، وغيرهم ممن أختلف مع معظمهم أكثر مما أتفق.
لكنني أتمنى أن يكون تأسيس أي كيان سياسي جديد قائمًا على قواعد ديمقراطية حقيقية تعكس إرادة المواطنين، وليس مجرد تمثيل لصراعات السلطة أو امتدادًا لتوجهات استبدادية. كما أنني أرفض تمامًا أن تكون هذه الأحزاب أدوات لإيهام الشعب بتعددية “مغشوشة” تُفرغ الحياة الحزبية من جوهرها وتزيد من محنتها.
حزب باسم إبراهيم العرجاني، إذا بُني على خلفيات عشائرية أو قبلية، أو نتيجة لصراعات مثل “معركة استاد القاهرة” بين فريق مستقبل وطن ومجموعة اتحاد القبائل، سيكون محل خلاف كبير وصفرًا جديدًا على يسار صفر مستقبل وطن.
إلا إذا تحول إلى حزب حقيقي جديد، يمتلك برنامجًا ورؤية واضحة، ويضم شخصيات عامة محترمة، ورجال أعمال، ونوابًا سابقين وحاليين، معارضين وموالين، وشخصيات مستقلة مثل: حسام بدراوي عمر موسى محمود محيي الدين ممدوح حمزة أسامة الغزالي حرب هالة المصطفى نجيب سويرس حسن نافع •• وآخرين •••
في هذه الحالة، قد يشكل الحزب إضافة للحياة الحزبية، وربما يمثل كسرًا للاحتكار الذي مارسه الحزب الوطني في زمن مبارك، وامتد إلى حزب مستقبل وطن الذي قدم أداءً بالغ السوء في السنوات الماضية، أداءً لا يُبكى عليه ولا يُتمنى له الاستمرار.
نعم لأي حزب جديد، حتى وإن كان لدينا تحفظ على بعض الأشخاص المرتبطين به أو المتحالفين معه.
وأتمنى أن أرى هذا الحزب أو غيره برئاسة شخصية تحمل قيمة سياسية حقيقية، قادرة على تقديم نموذج يُعيد الثقة في العمل الحزبي، ويُعبر عن طموحات الشعب بشكل صادق وبنّاء.
ويبقى حق تكوين الأحزاب وحرية ممارستها ليسا رفاهية، بل هما حق دستوري أصيل كفلته المادة 74 من الدستور المصري، التي تنص على أن “للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار يُقدم إلى الجهة المعنية، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو مناطقي.” كما أن هذا الحق مكفول وفقًا للمعاهدات الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن حرية التنظيم السياسي والمشاركة الديمقراطية.
من هنا، فإن أي خطوة لتأسيس أحزاب جديدة يجب أن تحترم هذه المبادئ وتلتزم بها، لتضمن حياة سياسية نزيهة وديمقراطية تليق بطموحات هذا الشعب العريق.