يواجه الاقتصاد المصري أزمة غير مسبوقة نتيجة السياسات الارتجالية التي تواصل الحكومة تنفيذها على حساب المواطنين مع بداية العام الجديد، خاصة في ملف شهادات الادخار ذات العائد المرتفع التي طرحتها البنوك الحكومية “الأهلي المصري” و”مصر” بنسبة فائدة وصلت إلى 23.5% و27%.
هذه السياسات التي تم تنفيذها دون أدنى تقدير للآثار الاقتصادية المترتبة عليها، جعلت الحكومة أمام التزام ضخم يتجاوز قدراتها بكثير، حيث يقدر المصرفيون أن حصيلة الاكتتابات في هذه الشهادات ستتراوح بين تريليون و1.5 تريليون جنيه، وهو ما يعكس حجم الفشل الذي تعيشه الدولة في إدارة الملف المصرفي.
هذا المبلغ الضخم يمثل عبئًا ثقيلًا على الاقتصاد المصري ويؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الحكومة لم تكن تستوعب العواقب الوخيمة لهذه السياسات.
البنوك الحكومية التي اعتقدت أنها تُحسن التدبير بتنفيذ هذه الخطوة لم تدرك أنها كانت تغرق نفسها والشعب في مستنقع من الديون والمخاطر الاقتصادية.
إن هذه الشهادات لم تكن إلا وسيلة لجذب أموال المواطنين بأسعار فائدة جذابة، ولكنها في الواقع أرهقت الاقتصاد وأدخلت البلاد في دوامة من الالتزامات التي يصعب الوفاء بها.
الحكومة، التي ظلت عاجزة عن اتخاذ أي خطوات جدية لتصحيح المسار، أفرغت خزائن الدولة من الأموال في محاولة يائسة لتحقيق استقرار مالي مزيف لم يعمر طويلًا.
وفي حين أن هذه الشهادات كان يُفترض أن تكون خطوة لمكافحة التضخم، فإنها أصبحت أداة لتفاقم الأزمة بدلاً من أن تكون حلًا لها.
البنوك الحكومية الكبرى، وعلى رأسها “الأهلي” و”مصر”، اليوم تحت ضغط هائل، فإما أن تواصل طرح هذه الشهادات بأسعار فائدة مرتفعة، مما يعني المزيد من الخسائر المالية، أو تقوم بخفض الفائدة تدريجياً، مما قد يؤدي إلى المزيد من تدهور الثقة في النظام المالي.
إن الحكومة، وبمنتهى الوضوح، تواصل التلاعب بمصير الاقتصاد الوطني، إذ لا توجد أي مؤشرات على أنها تنوي اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة هذا الملف الشائك. السياسات النقدية التي اتبعتها الحكومة لم تكن سوى مسكنات للأزمة ولم تأخذ في الحسبان تداعيات الأرقام الفلكية التي تم ضخها في النظام المصرفي.
من الواضح أن الحكومة، سواء من خلال البنك المركزي أو البنوك الحكومية، تتعامل مع الأموال التي جمعها المصريون من خلال شهادات الادخار كأنها مال غير محدود، متجاهلة تمامًا حقيقة أن هذه الأموال يجب أن تكون موجهة نحو مشروعات تنموية حقيقية تُعزز الاقتصاد، لا أن تستهلكها السياسات الفاشلة.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الحكومة المصرية تتلاعب بمصير الشعب بينما تدير الأزمات المالية بعقلية فاشلة. فبينما تسعى البنوك إلى إرضاء الحكومة، يبدو أن المسؤولين في البنك المركزي لم يكترثوا لما يمكن أن تسببه هذه السياسات من انهيار للنظام المصرفي.
هذه السياسات أدت إلى تحميل المواطن المصري أعباء إضافية نتيجة الفوائد المرتفعة التي تتحملها الحكومة، والتي باتت تهدد الاستقرار المالي للمواطنين.
من المؤكد أن الحكومة المصرية تدير الاقتصاد بلا رؤية ولا تخطيط، ولا يوجد أي تنسيق بين قرارات البنك المركزي والحكومة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
في وقت كان يُفترض فيه أن تكون هناك حلول جذرية للأزمة المالية، لم تفعل الحكومة سوى تقديم مسكنات لا تعالج أصل المشكلة، بل تزيد من تعقيداتها. هذه الشهادات التي كانت تهدف إلى جذب الأموال، أصبحت اليوم عبئًا على الاقتصاد لا يستطيع البنك المركزي أو الحكومة أن تتحملا عواقبها.
إذا استمرت الحكومة في هذا النهج، فإنها ستقود البلاد إلى المزيد من الكوارث الاقتصادية التي ستجعل من المستحيل على المواطن المصري أن يتنفس، بل ستدمر قدرته على العيش الكريم.
إن السياسات التي انتهجتها الحكومة في السنوات الأخيرة تُظهر بوضوح إصرارها على اتباع نفس الخطى الفاشلة التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي.
الحكومة لم تحاول أبدًا التفكير في حلول جذرية لوقف نزيف الأموال الذي يضرب الاقتصاد، بل ظلت تكرر نفس الأخطاء التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المأساوي.
ما تفعله الحكومة هو لعب بالنار، وهي تعلم تمامًا أن أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى اشتعال أزمة كبيرة لا يمكن السيطرة عليها. في ظل هذا الفشل الذريع، يبقى المواطن المصري هو الضحية الوحيدة لهذا العبث الذي يمارسه النظام الحاكم.